الرياض/ رضا محمود على
أعلنت شركة سما السعودية للطيران عزمها إيقاف رحلاتها الداخلية والمخصصة لخدمة المدن الإلزامية اعتبارا من الثاني من فبراير المقبل وإرجاع قيمة الحجوزات للمسافرين على متن هذه الرحلات. “لقد وضعت شركة سما في موضع لا مجال فيه للنجاح” مقولة وردت على لسان مصدر مسؤول في الشركة منذ عدة أشهر تترجم الخطوة التي اتخذتها شركة الطيران السعودية بوقف رحلاتها الداخلية، بعد تكبدها خسائر كبيرة نتيجة ضعف الطلب، وسقف الأسعار الذي لا يمكن تجاوزه، وافتقاد الدعم .
القراءة المتأنية لهذا القرار توضح أنه لم يكن مفاجئا للمراقبين وسبقته مؤشرات مهدت له، ولم يكن خافيا على الكثيرين أن هناك مشاكل حقيقية تعاني منها الدفاتر المالية لشركة سما أعاقت العديد من المشاريع التوسعية في الفترة الماضية.
وإضافة إلى المبررات التي أعلنتها الشركة في بيانها، فإن هناك مجموعة أخرى من الأسباب تقدم تفسيرا لهذه الخطوة وهي أسباب سبق وأن أعلنتها سما للطيران كمعوقات تقف أمام نجاح فكرة الطيران الاقتصادي في السعودية وتحد من تحقيق هذا القطاع لأرباح تشغيلية، أول هذه الأسباب ارتفاع أسعار وقود الطائرات في السعودية مقارنة بمختلف دول العالم إذ تجاوز سعر وقود الطائرات الذي دفعته سما خلال شهر يونيو من عام 2008 مبلغ 178 دولارا للبرميل، مقابل حصول شركة الخطوط السعودية (الناقل الوطني) على الوقود بدعم حكومي بما لا يقل عن سبعة أضعاف عن السعر الذي تدفعه شركتا سما وناس للطيران وفق أسعار 2008
ما يجعل التكلفة التشغيلية للوقود تصل إلى 45% لكل رحلة طيران لشركة سما، ويعود السبب في ذلك إلى أن الشركتين تعاملان كشركتين أجنبيتين تتزود طائراتهما بالوقود أثناء وقوفها في المطارات السعودية، وهو ما يكبدهما خسائر مستمرة بغض النظر عن نسبة الإركاب المتدنية أصلا، والتي لم تتجاوز معدلاته 18راكبا بين حائل وبقية الوجهات، وبمتوسط 35 راكبا بين الدمام وحائل شهرياً، لتضطر الشركة إلى تخصيص طائرة من طراز (جيت ستريم) سعة 30 راكبا لخدمة هذه الوجهات.
ثاني هذه الأسباب رسوم المطارات المفروضة من هيئة الطيران المدني السعودية على شركات الطيران الاقتصادي، وثالثها إلزام الهيئة شركات الطيران الداخلي (سما وناس) بمحطات الخدمة الإلزامية ومنح الناقل الوطني الفرصة لاختيار مسارات النقل المربحة، مع ثبات سقف أسعار التذاكر الداخلية منذ أكثر من 9 سنوات. وآخر هذه الأسباب عدم فتح المجال لحركة الطيران الدولي المجدول من هيئة الطيران المدني السعودي وهو ما يعني منع شركات الطيران الاقتصادي من فرصة تغطية خسائرها في الرحلات الداخلية.
وتثير هذه الخطوة مخاوف البعض من تأثيرها على تسريح بعض موظفي شركة سما للطيران والذين يبلغ عددهم 470 موظفاً بنسبة سعودة 45.95% وهي نسبة كانت مرشحة للارتفاع بالنظر إلى انطلاقة شركة سما للطيران والتي كانت ناجحة بكل المقاييس بعد تأسيسها في عام 2005، وبداية تسيير رحلاتها في مارس 2007 كناقل جوي لمسافات قصيرة، حتى وصل عدد وجهاتها الداخلية والدولية إلى 22 جهة بمعدل 176 رحلة أسبوعيا.
ونجحت سما في عامها الأول في تحقيق العديد من الخطوات الناجحة والإنجازات مثل نقل أكثر من مليون مسافر خلال فترة قياسية، وفوزها بجائزة أفضل حملة تسويقية لإطلاق علامة تجارية جديدة في الشرق الأوسط 2008، وجائزة أفضل شركة في قطاع الطيران 2008 في السعودية، الأمر الذي دعا المساهمين إلى الإعلان في يوليو من عام 2008 عن زيادة رأسمالها بمقدار 200 مليون ريال (53.33 مليون دولار) ليصل إلى 500 مليون ريال (133.33 مليون دولار) من اجل تعزيز موقفها المالي ومواصلة خططها التوسعية ومساندة لجهودها التأسيسية الناجحة .
وبالنظر إلى كل المعطيات السكانية والاقتصادية والتنموية في السعودية كان من المتوقع أن تصبح صناعة النقل الجوي في المستقبل القريب من أقوى الصناعات من حيث التنافسية والقدرة على التطور، إذ بلغت حصة الطيران الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط 1.4% تقريباً بنهاية عام 2006م، في حين وصلت في أوروبا إلى 11%، وفي الولايات المتحدة إلى 25%، مما يعطي تصوراً واضحاً لفرص النمو المتاحة في منطقة الشرق الأوسط، ، ولكن قرار شركة طيران سما يشكك في هذه الفرضية ما لم تتخذ هيئة الطيران المدني السعودي خطوات جادة لإصلاح قطاع الطيران الداخلي .
المصدر: إيلاف