عمان "المسلة" …. تحتفل منظمة الأمم المتحدة بالأسبوع العالمي للوئام بين الأديان في كل عام بالأسبوع الأول من شهر شباط، حيث يدعو علماء ورجال الدين خلاله إلى تعزيز قيم التسامح والتعايش بين أتباع الأديان، ونشر الثقافة العالمية للسلام، ورفع مستوى الوعي في ضوء ما يتلقاه الشباب من صور مغلوطة عن الاسلام وعلاقة المسلمين بأتباع الديانات الأخرى من بعض مواقع الاعلام والتواصل الاجتماعي.
ويشير نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية الدكتور عامر الحافي الى ما يقوم به المعهد بالتركيز على القواسم المشتركة بين الديانتين الاسلامية والمسيحية، خاصة أننا في الاردن نمتاز بقواسم وقيم مشتركة، وحضارة عربية منفتحة على الديانات الأخرى والحوار مع الديانات الاخرى، فالدين الاسلامي يشجع على الحوار.
ويوضح الحافي لـ بترا انه يجب أن تكون العلاقة بين جميع أتباع الديانات حسنة، فالنظرة الاسلامية للأديان تساعدنا في اقامة علاقة تحوي قيما انسانية ومصالح ومنافع مشتركة، مبينا ان البعد الاسلامي يصب في البعد الانساني.
وأوضح أن الانشطة الذي يقوم بها المعهد موجهة بشكل خاص للشباب من خلال المحاضرات والورش التوعوية التي يقيمها، والتي تؤثر في بناء العقل ومن ثم بناء العلاقات وفهم القرآن فهما صحيحا، مشيرا الى ان الوئام يمكن الوصول اليه من أبواب مختلفة من خلال الورش التوعوية والتدريبية والتي تسهم في بناء طاقات وعقول وثقافة، ومما يتم كتابته من مقالات لنشر الصورة الصحيحة عن الاسلام، لتكوين علاقة قوية بين المسلمين والمسيحيين.
وبين ان المعهد اطلق قاموسا لأسماء العلماء المسيحيين العرب في التاريخ العربي الاسلامي وانجازاتهم، فمن فجر الاسلام بدأ التحدث عن العلماء والشعراء والفلكيين والأدباء والمترجمين، الذين أثروا مختلف أنواع المعارف والعلوم وساهموا في بناء الحضارة العربية الاسلامية، لافتا الى اطلاق مجلدين لغاية الآن.
وشدد الحافي على أهمية الاعلام المعاصر والمؤتمرات في إعطاء الصورة الصحيحة عن الاقليات الدينية في العالم العربي، مبينا في الوقت ذاته أن المصطلح عن الأقليات الدينية لا تنسجم بطريقة صحيحة مع العلاقات معهم، وإنما يجب اختيار مصطلح المكونات الدينية والتي لا تجرح أو تخدش الشعور بالمساواة بين المواطنين، مهما كان العرق أو الدين أو الطائفة، وبالتالي إعادة النظر في المصطلحات التي نستخدمها.
وقال إن الشباب أصبح لديه تساؤلات، لأنه يشعر بالحيرة جراء الصورة المغلوطة التي يتلقونها باسم الاسلام، وبالتالي لا بد من زيادة الانشطة والفعاليات مع الشباب، لأنهم يتعرضون لصدمة، وبحاجة إلى مساعدة، وعلينا أن نفكر بالطريقة الأنسب لمساعدتهم كي تتضح الصورة الصحيحة أمامهم.
ويقول القس راعي الكنيسة اللوثرية في الأردن سامر عازر، ان كلمة "تعايش" تستخدم لنبذ الخلاف بين الفئات "المتصارعة" وهذا ما لا نشهده في المجتمع الأردني، مبيناً أن ما نعيشه في المملكة يعكس الوئام الديني الذي يعتبر الرابطة التاريخية والاجتماعية والسياسية التي توحدنا ونتطلع من خلالها إلى تعزيز العيش المشترك.
ويشير عازر الذي يرأس المركز المجتمعي المسكوني (الخيمة)، بأن أسبوع الوئام العالمي بين الأديان يؤكد أهمية تحقيق متطلبات الإيمان بالله الواحد كأساس ومنهج ينادي الجميع على أساسه بأن يحترم كل منا الآخر بالرغم من جميع الاختلافات، حيث تذوب كل الفوارق والخصوصيات والاختلافات في دائرة "الوطن والمواطنة"، لافتاً الى أن الأردن يجسد هذا النموذج الحضاري في الوئام بين الأديان، ويعكس الصورة الرائعة التي تشير إلى التعددية الدينية والثقافية واحترام الاختلافات.
وحول كيفية تكريس التسامح والعيش المشترك يقول عازر "بالرغم من أهمية الخطاب الديني والمناهج الدراسية والإعلام في تحقيق هذه المفاهيم، إلا أن التربية البيتية والأسرية هي الأهم"، مشدداً على أهمية تربية أبنائنا وبناتنا على قبول واحترام الآخر كإنسان، وعدم تعزيز الفوارق والنظرة الدونية للآخرين وفقاً لمعتقداتهم وأديانهم، مؤكدا ضرورة الظهور العلني لرجال الدين في الأنشطة والفعاليات المختلفة لتقديم رسائل مجتمعية من شأنها تحقيق التعاون والتناغم بما يخدم الوطن والإنسان على حد سواء.
واعتبر عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الخطيب أن التعايش والوئام الديني يعد أمراً مهماً في هذه الأوقات، خاصة أن المجتمعات البشرية تعيش حالة "غير طبيعية" من التعصب والتطرف الذي يؤدي إلى حروب طاحنة تودي بحياة الكثيرين، لافتا الى أن وجود أسبوع الوئام العالمي بين الأديان يعمل على تعزيز نقاط الالتقاء والتفاهم بما يحقق مفهوم الحوار ونبذ الاختلاف.
واشار إلى أهمية أن ينطلق هذا الأسبوع من الاضطهاد الذي تعاني منه الشعوب ولا سيما الإسلامية منها، والتي تتعرض في العديد من بقاع العالم للقتل والتشريد والإقصاء، الأمر الذي يؤكد ضرورة تطبيق ما يتم الاتفاق عليه من مخرجات الأسابيع العالمية للوئام والتعايش الديني.
ويلفت الخطيب إلى أن النظرة الإسلامية تدعو إلى الحوار ونبذ الاختلاف، مستشهداً بتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما كان يحاور المسيحيين واليهود، إضافة إلى استقباله وفد نجران في المسجد، الأمر الذي يدل على تكريس الإسلام للحوار، مؤكدا وجود قواسم مشتركة بين الأديان يجب أن نلتقي عليها، بالإضافة إلى القضايا والمشكلات المتعددة التي تعاني منها الأديان مثل (المخدرات، الانحلال الخلقي، الإرهاب والتطرف…).
ويدعو الخطيب المشاركين والقائمين على أسبوع الوئام الديني الى "أن يتحدثوا بكل صراحة ودون مجاملة، لأن المجاملات تؤدي إلى كلام دون أفعال على أرض الواقع"، مشدداً على عدم التغني بالحوار دون تطبيق فعلي يعكس أهمية الوئام والتسامح بين الأديان.