Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

متاحف تعز.. ذاكرة وطنية مهملة أنهكها النهب والفساد

متاحف تعز.. ذاكرة وطنية مهملة أنهكها النهب والفساد

تعز " المسلة " … حتى زمن قريب كانت متاحف تعز قبلة للزائرين ومزاراً للسياح الذين كانوا يقصدونها من كل حدب وصوب, ثلاثة متاحف فقط هي المتحف الوطني وقصر البدر في منطقة العرضي بمدينة تعز وقصر صالة كان يتخذ منها الإمام أحمد مساكن له ولحاشيته ويدير منها شؤون حكمه, هذه المتاحف تحولت اليوم إلى أطلال وأجزاء كبيرة منها آيلة للسقوط, بينما معظم المقتنيات والآثار والتي في الغالب تحتوي على مقتنيات الإمام وملابسه وسيوفه طمرت في الركام وبعضها حفظت في الشوالات بطريقة سيئة وأخرى تم تهريبها ولا يعلم مصيرها إلا الله والراسخون في الفساد.

 

راح يكحلها عماها :

قبل ست سنوات وتحديداً في العام 2007م تم جرد مقتنيات المتحف الوطني بغرض ترميمه, حيث بدأ العمل الفعلي في العام 2008م, لكن المرحلة الأولى من الترميم شابها الفساد وهو مهدد بالسقوط حتى لو استكملت عملية الترميم وكما يقول المثل الشعبي ( راح يكحلها عماها).

وترجع بشرى الخليدي, مديرة عام فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف, توقف عملية الترميم للمتحف منذ خمس سنوات إلى ما أسمته بالفساد من قبل الجهة المنفذة للترميم ممثلة بالصندوق الاجتماعي للتنمية.  وتضيف الخليدي التي تسلمت إدارة فرع الهيئة قبل عام وسط معارضة من قبل الموظفين:أحاول جاهدة أن أعمل تقريراً هندسياً متكاملاً عن عملية الترميم في المرحلة السابقة وللأسف الشديد فإن أكثر من فريق هندسي تم إنزالهم إلى داخل المبنى لمعاينة ترميم المرحلة السابقة أكدوا أن هناك أخطاء هائلة قد تؤدي إلى انهيار المبنى وإلى عدم سلامته بعد كل هذه المبالغ التي صرفت وهذه السنين التي حرمت منها محافظة تعز من المتحف -على حد قولها.

وتشير مديرة عام فرع هيئة الآثار والمتاحف بتعز بأصابع الاتهام إلى الجهة الكفيلة وهي مكتب الآثار ممثلة بالمدير السابق والجهة المنفذة ممثلة بالصندوق الاجتماعي للتنمية من جهات مانحة وإقراضية, حيث أن المتحف لم يرمم بالطريقة التي كان يحتاجها, بل ازداد سوءاً عما كان عليه.. مستدركة بقولها: الكل يشهد بأن الصندوق الاجتماعي دقيق جداً بتنفيذ مشاريعه, لكن الخطأ لا يقع كاملاً على الصندوق, لأنه أوكل المهمة لاستشاري أخصائي آثار والمدير العام السابق لمكتب الآثار وأثناء فترة توليه المنصب أوكل المهمة لعدد من المهندسين الذين كانوا لا يتواجدون في مكان العمل وأسندت المهمة لشخص واحد كان يقوم بدور المهندس والاستشاري والمحاسب والموثق ونحن الآن والصندوق الاجتماعي بصدد تصحيح الوضع وبإذن الله وفي بداية 2014م سنستلم المبنى منهم. وفيما يتعلق بالتكلفة الإجمالية لإعادة تأهيل المتحف الوطني أوضحت مديرة عام مكتب الآثار أنه لا توجد شفافية من قبل الصندوق الاجتماعي في هذا الموضوع ولكن على حد علمها ومن خلال البيانات التي أخذتها بصفة شخصية من المحاسب السابق للمشروع بأنها لا تقل عن 44مليون ريال.

 

تخزين تقليدي :

ليس لدى الإدارة الحالية لمكتب الآثار إحصائية لعدد المقتنيات والقطع الأثرية التي يحتويها متحف تعز.. عندما سئلت المديرة العام عن العدد وطبيعة هذه المقتنيات وكيف يتم حفظها والمحافظة عليها ردت علي بقولها: ستعجب وستذهل وقد يستغرب القراء من أنه لا توجد جرود أولية لمقتنيات متاحف تعز والجرد الوحيد تم في 2007م وبصفة عشوائية وبالنسبة لمقتنيات المتحف الوطني وطريقة تخزينها وحفظها, فهي تتم بطريقة عشوائية لا تخضع لمواصفات التخزين العلمية, ولأن مخازن حفظ المقتنيات موصدة وما تزال بعهدة المدير العام السابق الذي يرفض إخلائها حسب ما فهمت من كلام مديرة الآثار الحالية التي اصطحبتني إلى المخزن الوحيد المتاح لها للوقوف على حالة الدمار الذي تعرضت له بعض المقتنيات بعد سقوط جانب من السطح عليها وطمرها بالأتربة فيما بعض القطع أكلها الصدأ وشرب خاصة البنادق القديمة والتي تام نقلها من قصر صالة بعد أن تم الاستيلاء على بعض أدواره من قبل مواطنين بموافقة المدير العام السابق- وفقاً لبشرى الخليدي المدير الحالي للمكتب. 

 

نهب الآثار :

كغيره من المكاتب والمؤسسات الحكومية لم يكن مكتب آثار تعز بمنأى عن الفساد الذي ترعرع في ظل قيادات متعاقبة كان آخرها إدارة العزي مصلح التي استمرت 15 عاماً وأحيل مؤخراً إلى التقاعد وتتهمه الإدارة الحالية بالتفريط بجزء من مباني المتحف لصالح جامعة تعز مقابل موافقتها له بالتدريس في كلية الآداب, حيث ما يزال يرفض تسليم ما بعهدته من مقتنيات المتاحف ومحتوياتها بحسب الشكوى المقدمة ضده إلى محافظ المحافظ وهي الطريقة التي كان يتعامل بها أثناء فترة عمله, حيث تشير بعض الوثائق, التي تحتفظ الصحيفة بنسخة منها وآخرها في 2006م وحملت عنوان "إنذار نهائي" موجهة من الهيئة العامة للمتاحف, مفادها أن تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وكذا تقرير مراجعة الرقابة والتفتيش بوزارة المالية تؤكد عد التزام المكتب بإخلاء جميع العهد التي لا تزال معلقة.

 

حيث وقد تسببت في إيقاف جميع المعاملات والإجراءات من قبل وزارة المالية وهو ما أدى إلى عدم إدراج بعض المشاريع في موازنة البرنامج الاستثماري للعام نفسه.. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن آثار البلد صارت في مهب الريح ومعرضة للسرقة وبيعها للسياح ولا يستبعد أن يكون للقائمين عليها اليد الطولى في تهريبها وإلا كيف نفسر حصول مقيم فرنسي في تعز على إحدى عشرة قطعة أثرية قديمة أكبرها كبت إثري للملابس وخزنة للمجوهرات وكرسي للجلوس وكلها مزخرفة ومزينة بالنقوش القديمة, حيث تشير المعلومات إلى أن السائح الفرنسي كان قد أوصل هذه المقتنيات الأثرية إلى ميناء المخأ بهدف ترحيلها إلى بلاده.. إلا أن بشرى الخليدي, مديرة مكتب الآثار, تنفي ذلك وتقول : بعض هذه المقتنيات لم تكن قد وصلت ميناء المخأ, لكن طلب منا تصريحاً بغرض إخراجها إلى فرنسا وبعد معاينتها من قبل فريق أخصائيين للآثار رفعوا تقريراً بان هذه قطع أثرية ولا يمكن أن تخرج خارج البلاد وبالتالي عملنا الإجراءات اللازمة من تحرير رسائل إلى الجهات المختصة بما يكفل استعادتها للمكتب وحفظها داخل البلاد وقد تم استعادتها وهي موجودة داخل المكتب.

 

مقتنيات الإمام :

أما الموظف عبد الله عمر فيشير إلى أن آثار تعز أصبحت عرضة للنهب والبيع, بدليل أن إحدى المؤسسات الثقافية تقوم بشراء أي قطعة أثرية من أي شخص كان بعد التأكد من أخصائي آثار بأن هذه القطعة أثرية فيدفعون قيمتها نقداً حتى لو كانت هذه القطعة مسروقة, بل إن البعض أوصل إلينا بعض القطع الأثرية وعندما كنا نرشدهم بإيصالها إلى الهيئة العامة للآثار في صنعاء فإنهم كانوا يرون في الأمر مشقة ويذهبون بها إلى القطاع الخاص لبيعها, إضافة إلى أن السعر الذي ستدفعه الهيئة لصاحب القطعة أقل بكثير من العرض الذي سيحصل فيما لو باعها للقطاع الخاص.

ويضيف عمر: للأسف الشديد نحن هنا في مكتب الآثار لو جاءنا بلاغ من منطقة ماء بوجود آثار فيها فإن المكتب ليس لديه سيارة من خلالها يتمكن أخصائيو الآثار للوصول إلى تلك المنطقة.  وفيما يتعلق بمحتويات المتحف الوطني يشير عبدالله عمر إلى أن كل المقتنيات الموجودة في المتحف هي مقتنيات الإمام أحمد من سيوف مطلية بالذهب وساعاته المطلية بعضها بالذهب ومرسوم داخلها خارطة اليمن وبعضها تحمل صورته وصورة الملك فاروق وهذه هدايا قدمت له من مصر وبندق قناص مطلي بالذهب, إضافة إلى ملابسه التي جزء منها تعرض للتلف نتيجة سوء الحفظ وتعرضها لحرارة الشمس.

 

اعتصام منذ عام :

يعيش مكتب الآثار والمتاحف بمحافظة تعز منذ عام صراعاً وحالة استقطاب بين المدير العام بشرى الخليدي من جهة وموظفي المكتب الذين يعتصمون منذ عام تقريباً من جهة أخرى احتجاجاً على عدم تعيينها.. وفيما تتهم معارضيها بالإهمال والتقصير في عملهم والتحريض عليها لا لشيء إلا لكونها امرأة من منطلق ديني وأنه لا يجوز أن تتولى أمرهم من وجهة نظرهم.

يقول عبد الكريم الصوفي, أحد موظفي المكتب, رداً على كلامها: نحن انطلقنا من منطلق إصلاح الوضع وهذه المديرة تم تعيينها في ظل المحافظ السابق وهي آخر من توظف في هذا المكتب وآخر من تخرج ونحن نرى أن تكليفها غير صحيح وهناك من هو أقدم منها ومتخصصون في مجال الآثار وفرع الهيئة العامة للآثار هو فرع تخصصي مهني فني لا يكون قائد له إلا من هو متخصص. الصوفي يشكك في عدم قدرة المديرة الحالية للمكتب على القيام بمهام عملها على أكمل وجه, لأنها من وجهة نظره غير متخصصة, إضافة إلى أنها امرأة لا تستطيع الانتقال إلى مكان أثري للقيام بعمل دراسة في منطقة أثرية نائية.. مستدركاً بقوله : القانون يقول انه في حالة تكليف يعين الأكفأ فإن كانوا في الكفاءة سواء فيعين الأقدم.. مع أن المفاضلة التي قامت بها الشؤون القانونية ومكتب الخدمة المدنية أكدت أنها غير مستوفية للشروط وغير مستحقة لشغل وظيفة مدير عام مكتب الآثار ولذلك لن نرفع اعتصامنا هذا حتى يصحح الوضع القائم.. متهماً في ذات الوقت السلطة المحلية بالتعصب والوقوف إلى جانب المديرة وممارسة الإذلال والقهر بحق المعتصمين وحبس ستة منهم وقيام الجنود بتمزيق اللافتات المعبرة عن الاعتصام تحت طائلة التهديد- حد قوله.

ويعتقد المعتصمون أن وزير الثقافة قد خذلهم بانحيازه مؤخراً إلى جانب المديرة المكلفة, لا سيما بعد ظهور نتائج المفاضلة التي قامت بها وزارة الخدمة المدنية وأظهرت أن المديرة غير مستوفية للشروط وفقاً للتخصص والأقدمية في شغل الوظيفة والسن واقترحت إجراء المفاضلة بين ثلاثة من موظفي المكتب باستثناء المديرة المكلفة- وفقاً للوثائق التي تحتفظ الصحيفة بنسخة منها .

 

قلعة القاهرة :

وفيما تستعرض مديرة مكتب الآثار والمتاحف خطتها القادمة على طريق إعادة الوهج السياحي لمحافظة تعز وإيقاف العبث بآثارها التاريخية, كما تقول, وذلك من خلال إقامة مجمع حديث للمتاحف يحتوي على مطاعم وصالات, إضافة إلى بدء المرحلة الثانية من ترميم قلعة القاهرة.. يرد منتقديها من المعتصمين أن هذا الكلام تحاول من خلاله إقناع من يدعمها ويتهمونها بتسليم ما تبقى من أبراج قلعة القاهرة لمقاولين ليس لهم صلة بالعمل الأثري, حيث أسندت مهمة الإشراف على ترميم القلعة لعامل كهرباء سابق, فيما لم ترسل أحداً من أخصائي الآثار في المكتب سوى بعض الموظفين الجدد الذين هم في إطار التوزيع ولا يمتلكون الدراية والخبرة وكذلك الجرأة في طرح وجهة نظرهم إزاء الأخطاء والمخالفات- على حد تعبير أحد المعتصمين. 

 تجدر الإشارة إلى المرحلة الأولى من عملية ترميم قلعة القاهرة شابها الكثير من عمليات الفساد وتحدثت التقارير حينها عن صفقة تمت بين المقاول المنفذ وقيادة السلطة المحلية السابقة والتي كسبت من خلالها مبالغ طائلة رغم ما اعترى عملية الترميم من أخطاء فادحة.
 

المصدر : الحدث

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله