اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

تايلاند تنجح في التحول من السياحة الترفيهية إلى العلاجية

القاهرة " المسلة " … من نصف دولار إلى أكثر من خمسة دولارات، هكذا ارتفع خلال ساعات سعر كيس الرمل في العاصمة التايلاندية بانكوك، ابان تحوطها للفيضانات الزاحفة على كل شيء وفي مقدمها السياحة العلاجية.. الكنز الوطني الجديد. أطنان من الأكياس الرملية كالمتاريس أحاطت بالمستشفيات هناك لحماية مليارات الدولارات، المخزنة في أحدث الأجهزة الطبية في الطوابق السفلى.
 

 

منذ عقد من الزمن بدأت الحكومة التايلاندية في خطة تحويل البلاد الخلابة بطبيعتها وجميلاتها، من مكان للسياحة الترفيهية إلى وجهة للسياحة العلاجية، وهو ما تحقق لها بامتياز.

قلما التقينا هناك بسائح يتجول في شوارع العلب الليلية، أو في أحضان الطبيعة الساحرة بكل معنى الكلمة، من دون أن يكون مر بما يعرف الفحص الطبي الشامل، ولا سيما أن الغالبية الساحقة من السياح هناك هي من كبار السن، الذي ادخروا طويلا لرحلة استجمام واسترخاء داخلي يقوم على طرد التوتر بنسائم البحر ومشاهد الخضرة العميمة والوجه الحسن، ولما يبدأ بعد الموسم السياحي من شهر نوفمبر إلى فبراير.

في تجوالنا على خمسة مستشفيات خاصة في شبه جزيرة بوكيت والعاصمة بانكوك، تسنى لنا الوقوف على عوامل هذا النجاح عبر البحث والتقصي لدى الكادر الطبي، في ظل خلو برنامج الزيارة من لقاءات مع المسؤولين.

الكفاءات البشرية

طيلة العقد الماضي، تدفق على تايلاند المئات من الأطباء من أهلها الذين نهلوا ونقلوا التجارب الطبية من كل أصقاع الأرض. هؤلاء أسسوا في ظل برامج حكومية مرسومة بدقة نواة الكادر الطبي المؤهل الذي انتبه إلى ضرورة بناء كليات طب جامعية متخصصة ومتطورة بدأت في ضخ الآلاف من الاطباء والممرضين المؤهلين في السوق. الخطوة التالية كانت "توطين" القطاع الطبي. في تايلاند لا يستطيع أي طبيب ممارسة المهنة من دون فحص التأهيل أو ما يمكن وصفه بـ"البورد" التايلاندي، وهذا يتم باللغة التايلاندية فقط. واذا ما علمنا ان هذه اللغة أشبه بالطلاسم الاعجازية فانه لا مكان في "أرض الابتسامات" هذه سوى للأطباء من أهل البلاد.

غير أنه في تخصصات ادارية نادرة مثل الموارد البشرية التي يفتقدون اليها هناك لغاية اللحظة، يتم الاستعانة بخبرات أجنبية لشغلها، كما هو الحال تماما في ادارة الفنادق الموزعة على أميركيين وهولنديين بشكل رئيسي.

إدارة محكمة

ما أن يدخل المريض أي من مؤسسات الاستشفاء في تايلند، حتى يشعر بأنه الأهم في المكان. نظام اداري لا يعرف وجها للبيروقراطية، وكادر وفير للاهتمام به خطوة خطوة، فضلا عن جيش من المترجمين.

لا حاجة للانتظار، فسلاسة الكشف وتقديم العلاج وانتفاء حاجز اللغة، مع وجود ادارات مختصة للمرضى العرب، واختفاء الطوابير، وتوفير غرف في المستشفيات تراعي كل الاديان والثقافات، مع تناوب الممرضين على مرافقة المريض ساعة بساعة، توفر أساس نجاح العلاج، الا وهو الراحة النفسية والاطمئنان للمكان.

الدكتور أحمد أفندي مدير العلاقات العربية في مستشفى سميتي ويت سري ناكارين، الذي ولد وعاش في السعودية قبل عودته الى موطنه التايلاندي، يقول: على سبيل المثال الفحص الطبي الشامل من اصبع القدم حتى شعر الرأس، لدينا خطة ملتزمون بها لا يجب ان تتجاوز مدة هذا الفصح ساعات ثلاث بما فيها الجلسة النهائية للمريض مع الطبيب لمناقشة النتائج واعطاء الوصفات.

في متناول الأيدي

كلفة الاستطباب في تايلاند تجعلها في متناول الجميع. أجريت فحصا طبيا شاملا في مستشفى بانكوك، حتى ظننت أن لم تبق خلية في جسدي لم تتعرض للتمحيص، بمبلغ لم يتجاوز الـ600 دولار.

ولدى تفحصنا قوائم الأسعار في المستشفيات الخمسة التي زرناها، كنا نحن القادمين من الشرق الاوسط نتبادل نظرات الدهشة لدى مقارنتها بواقع حالنا المترافق مع الطوابير والتعامل العجيب والفواتير الأعجب.
 

يقول بونياتورن كيكاجور بونتسا المدير الاقليمي لشركة "أوريوس" المنظمة للرحلة، الذي كان مرافقنا في جولاتنا هذه: نحن أصحاب الأسعار التنافسية الأفضل على مستوى العالم، لا نستشعر خطرا في هذا المجال سوى من الهند، التي باتت تطرح أسعارا مخفضة للاستطباب، غير أننا نتفوق عليها في مستوى الخدمة والمؤسسات والنظم الادارية، فضلا عن برامج السياحة العلاجية الجاذبة.

استثمار في التكنولوجيا

علاوة على ما سبق لم يغفل المخطط التايلاندي، حيوية عنصر التكنولوجيا في الطب، وخصوصا مع التقدم العالمي المذهل في هذا المجال ووصوله إلى حدود المعجزات. هذا دفع على سبيل المثال مستشفى بانكوك المملوك لأحد الأثرياء والذي يمتلك أيضا خطوط طيران وطنية، إلى التصميم على الوصول إلى المستويات العالمية من حيث التجهيزات، إذ أن هذا المستشفى يمتلك سربا من المروحيات المخصصة للإسعاف بإمكانها عبور الحدود إلى الدول المجاورة والمشاركة في الاخلاء.

لكن هذا وحده لم يكن كافيا ليجعل المستشفى هذا في المركز الأول على مستوى آسيا، والثامن على مستوى العالم، بل حرصه الدؤوب على امتلاك آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في عالم الجراحة والاستطباب.

جراحة القلب بالإنسان الآلي أو ما يعرف بتقنية "دافنشي". التصوير بالإصدار البوزيتروني مع التصوير المقطعي المحوسب في آن واحد، وهو ما يعد أحدث وأدق وسيلة لتشخيص السرطان. علاج الأورام السرطانية وتشوهات الأوعية الدموية وباركنسون بتقنية "نوفالس" من دون الحاجة لشق الجسم جراحيا. استئصال أورام الدماغ بأشعة "كاما" من دون الحاجة لفتح الجمجمة، والعلاج بالخلايا الجذعية لمرضى القلب والسكري.

كل هذه التجهيزات ترافقت مع خطط ادارية موازية، ما لفت منها تعاقد المستشفى مع الحكومة التايلندية وانشاء وحدة علاجية متكاملة في المطار، تقدم خدمات سريعة وكافية لأي حالة طارئة وتتولى نقلها إلى المستشفى نفسه أو أي مستشفى آخر يختاره المريض.

الميزة التخصصية

يدرك القائمون على السياحة العلاجية في تايلاند، أن حجم التنافس بين المؤسسات الكبيرة العدد القائمة هناك، قد يؤثر سلبا عل مستوى الخدمات وسمعة هذا القطاع، لاضطرار الاقتصاد التنافسي إلى تخفيض الاسعار وبالتالي تخفيض مستوى الخدمات، وعليه لجأ التايلنديون إلى وصفة التخصصية للنأي بمؤسساتهم عن هذا المأزق.

كل مستشفى أو مركز صحي خاص في "أرض الابتسامات" يمتلك ميزة تخصصية تبحث في تطوير خدماتها افقيا لا عموديا، فتحققت له الشهرة والربح معا. من الأمثلة مستشفى سميتي ويت سري ناكارين في العاصمة بانكوك. ما يميز هذا المستشفى مركز العظام والمفاصل وتحديدا آلام الظهر، حيث حصل المركز على الاعتماد الدولي للاختصاصات العلاجية من قبل اللجنة الدولية المشتركة "جي سي آي" حسب المواصفات الأميركية.

أكثر ما يخيف المتقدمين في السن عادة هو مرض هشاشة العظام، ويقدم المركز حلولا عدة لهذا المرض ابتداء بلباس خاص يحفظ الهيكل العظمي، أو تقنيات العمليات الجراحية الصغيرة من مثل حقن مادة اسمنتية في منطقة العمود الفقري المنكسر لتلتئم العظام في غضون ساعتين فقط، وكذلك العلاج باستخدام موجات الراديو الساخنة لتقليل ضغط الغضروف وتاليا تقليل الضغط على الأعصاب.

أما ان كانت الحالة متقدمة فيتم اللجوء إلى العمليات الجراحية بالمنظار، والتي تتطلب شق الجسم بجرح لا يصل طوله إلى سنتمترين فقط.

الجراحة التجميلية ازدهار لا يخلو من غرابة ومفاجآت

لا مفر من التطرق إلى الجراحة التجميلية لدى الحديث عن السياحة العلاجية في تايلاند.

خلال رحلتنا الممتدة لعشرة أيام بين العاصمة بانكوك وجزيرة فوكيت، زرنا مستشفى "بي ايه آي" ومستشفى فوكيت الدولي، وكلاهما متخصصان في العمليات التجميلية.

كنا نظن أن معظم "زبائن" هذين المستشفيين هم من العرب أو الأوروبيين الأثرياء الباحثين عن الجمال، لكن المفاجأة كانت بحسب الدكتور بريشا تايوتر ناون من "بي ايه آي" أن غالبية الخمسة آلاف مريض الذين يستقبلهم المستشفى كل عام هم من التايلنديات، وهؤلاء يقبلن بشكل هيستيري على عمليات تغيير الأنف من الأفطس المعهود هناك إلى الرفيع المسحوب نحو الأعلى، يلي ذلك نفخ الصدور والأهم توسيع العين لتتميز عن عيون الجنس الأصفر المشقوقة الصغيرة. في مركز التجميل الخاص بهذا المستشفى يوجد عشرة أطباء متخصصون ومشهورون عالميا، واذا ما ترافق ذلك مع الأسعار التنافسية التي تعتبر أرخص من البرازيل وكل أميركا اللاتينية وبالطبع أوروبا، فان هذا المركز يدر أرباحا كبيرة، فحتى عمليات زراعة الشعر هي في متناول الأيدي مع ثلاثة دولارات لكل شعرة.

غير أن الأهم بحسب الدكتور ناون، هو سهولة الوصول إلى المؤسسات العلاجية من هذا النوع، فمعظمها متعاقد مع شركات سياحية تايلندية، وهذه الأخيرة مجرد اتصال طالب الجمال بها وشرح حالته تتولى هي كل الاجراءات من النصح بمستشفى بعينه إلى الحجز لدى هذا المستشفى إضافة إلى الحجز في الفنادق وحتى التفاوض بشأن الأسعار.

الأكثر حساسية في هذا المجال هي عمليات تحويل الجنس

يقول الدكتور ناون بأن زبائن هذ العمليات يتوزعون بين أوروبا وأميركا وايران ونسبة ضئيلة من دول الخليج، وكلفتها لا تتعدى 8 آلاف و600 دولار. من المعروف لدى الجميع أن عمليات تحويل الجنس تتركز في الرجال الذين يجدون انفسهم غرباء في أجسادهم فيسعون إلى استبداله بجسد انثوي، وهذا النوع من العمليات بحسب الدكتور نفسه سهل ونسبة النجاح فيه تكاد تكون كاملة، لكن المفاجأة كانت كشفه عن أن مركزه استطاع اجراء عمليات تحويل من أنثى لذكر وبكامل الأعضاء الذكورية.

ولتبديد الدهشة يشرح" طبعا هذا النوع من العمليات صعب جدا ولا سيما أنه يتطلب تركيب أجهزة صناعية داخلية في الجسم مثل مضخات خاصة تعمل بطريقة نفخ العضو الذكري، ليتسنى للأنثى المتحولة رجلا .. العيش تماما كرجل!

»تسونامي« و»11 سبتمبر«

مصائب قوم عند قوم فوائد، ذلك ما ينطبق تماما على السياحة العلاجية في تايلند.

صحيح أن الحكومة خططت لتطوير هذا القطاع وجعله مصدر دخل قومي هائلا، لكن الأهم من وضع الخطط الطموحة هو أيضا امتلاك العقول وآليات جاهزة لاستثمار أي طارئ وتوفير الخطط البديلة الجاهزة، هذا ما يفسر تلك الطفرة القياسية أو القفزة الكبيرة في تطور السياحة العلاجية، وتحديدا عاملين أساسيين:

الأول: الطوفان الشهير "تسونامي" الذي اجتاح آسيا في العام 1997 وما جرفه من طوفان من المرضى كان لتايلند النصيب الهائل منه، ما اضطرها إلى تسريع التوسع في منشآتها وخدماتها الصحية لمواجهة هذه الأمواج من المنكوبين والمرضى.

الثاني: هجمات 11 سبتمبر في نيويورك الأميركية، وما أعقبها من تشدد أميركي في اجراءات الدخول والتأشيرات، ما حول سيلا ضخما من المرضى والباحثين عن العلاج من بلاد العم سام إلى تايلند.

العرب لا يستيقظون باكرا

في مستشفى بانكوك لديهم الخطط الجاهزة دوما، حتى للتعامل مع المرضى العرب، وتحديدا القادمين من منطقة الخليج العربي.

يقول الدكتور أحمد أفندي مدير العلاقات العربية في المستشفى باسما " اضطررنا لتغيير كل نظامنا وانشاء قسم خاص كبير للمرضى العرب، في هذا القسم مواعيد الدوام مختلفة عن بقية أقسام المستشفى، ببساطة لأن المرضى في هذا القسم لا يستيقظون باكرا، فحددنا مواعيد الكشف وزيارات الأطباء للمرضى العرب ما بين الساعة العاشرة والحادية عشر صباحا، عندما يكونون قد صحوا واستعدوا".

ويضيف أن العرب المسلمين فرضوا علينا تركيز أبحاثنا واهتماماتنا العلاجية نحو احتياجاتهم، فعلى سبيل المثال طورنا تقنيات استبدال المفاصل التي غالبا ما يأتينا مسنون من دول الخليج العربية لهذه الغاية.

وبالفعل امتلكنا خبراء عالميين (تايلنديين) في هذا المجال ونجحنا في استبدال ركبة كاملة يمكن أن تنثني اكثر من 180 درجة، وتمكن المريض من أداء الصلاة وممارسة حياته بشكل طبيعي كامل.

شراكات مقبلة ولكن

القادم من الإمارات إلى تايلند، لا مناص لديه من الشعور بالدهشة ومن ثم السؤال: كيف لهذا البلد البائس عمرانيا وحضاريا وبنى تحتية، من تحقيق هذه الانجازات المذهلة في السياحة العلاجية؟

على هذا يتحفظ مسؤولو هذا القطاع وجلهم خاص على الاجابة عن السؤال: لماذا لا تنقلون هذه الخبرات والخدمات المميزة إلى الإمارات عبر شراكات مع نظرائكم في هذا الاختصاص؟

روزي مسؤولة العلاقات الخارجية في مستشفى سميتي ويت، قالت إنه بالفعل كانت تجري مفاوضات في هذا الشأن قبل خمس سنوات، لكنها توقفت حين ضربت الأزمة المالية العالم، ولا ندري ما الذي يحمله المستقبل.

لكن في طريق العودة إلى الامارات تواترت الاخبار عن البدء فعلا في تحضيرات لإنشاء نحو خمس مؤسسات صحية مشتركة مع تايلند في أبوظبي ودبي.

بيد أن السؤال ظل معلقا: هل ستتمكن فعلا هذه المؤسسات المأمولة من تقديم خدمات علاجية بهذا التميز وبنفس الأسعار التفضيلية؟

المصدر : البيان الاقتصادى

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled