اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

الجيش …الاستفتاء… والمحللون ..وهيكل ..وارامل امن الدولة

بقلم / الدكتور محمد عباس

 

أمران..

يومان..

انكساران..

هزيمتان..

أولاهما هي الحزن الأكبر في حياة الأمة..

وثانيتهما هي الفرحة الكبرى في حياة الأمة!!..

أما الأمر الأول.. اليوم الأول.. الانكسار الأول.. فهو هزيمة جيشنا الحبيب الغالي في يونيو 67 تحت وطأة عدم كفاءة قيادته وحماقة رئاسته وغطرسة سياسته ودهاء فيلسوفه ومنظره الأول-هيكل- الذي انقلب دهاؤه ليصير وبالا علينا، حيث اجتاح طوفان الألم الأمة وابتلعت الدوامة الهائلة نفوسنا الكسيرة المذهولة الحزينة المصعوقة ليصبح ذلك الألم – ألم الهزيمة- أكبر ألم شخصي في حياة كل من عاشه منا. كانت الهزيمة هزيمة كل شخص. وفي نفس الوقت كان كل شخص كأنه هو وحده الذي يحمل كل عار الهزيمة وذلها وألمها. ألم ما زلت أحس بلهيب حريقه في قلبي ومرارته في حلقي ودموعه في عيني وأنا أستعيده الآن وأكتب عنه.

أما الأمر الثاني.. اليوم الثاني.. الانكسار الثاني.. الهزيمة الثانية.. فقد كانت فرحتنا العارمة الكبرى.. وتحولت هي الأخرى إلى طوفان من السعادة الغامرة والنشوة العارمة حتى أصبحت أسعد يوم في حياة كل من عاشه.. كان ذلك يوم انهيار الشرطة المكلفة بكبح المظاهرات ومباحث أمن الدولة أمام الشعب.

كان الأول صوت ضمير الأمة ووجيب قلبها ومحط أملها وبؤرة ألمها فاستحق حبها واحترامها وفرحتها بانتصاره..

وكانت الثانية سوط الطاغوت على ظهر الأمة وجمر النار في قلبها فاستحق بغضها وازدراءها واحتفالها بتمزقه وانكساره

الجيش شرفنا وعزتنا وكبرياؤنا وسويداء قلوبنا وفلذة أكبادنا ( ولكن ذلك لا يعني أي حصانة له من انتقادنا).

أما الشرطة السياسية –خاصة- فقد كانت انتهاك شرفنا وذلنا وامتهاننا وأعدى أعدائنا حتى نشأ مصطلح جديد في علم السياسة اسمه الاحتلال الداخلي.. وهو أمر وأقسى وأخطر من الاحتلال الخارجي. وستظل صرخة أحمد من العريش تدمي قلبي وهو يقارن بين بطش وإجرام وقسوة أمن الدولة مقارنة بجهاز الأمن الإسرائيلي. لن تذهب من أذني أبدا نار صرخته: لولا الولاء والبراء لفضلنا إسرائيل (ولكن ذلك لا يعني استمرار مشاعرنا ضد من لم يدن منه رجال الشرطة بعد محاكمة عادلة).

أقول الشرطة السياسية لكنني لا أبرئ الباقين. مع احتجاجات أمناء الشرطة قال صديق في مرارة:

– معهم حق إذ يتمردون ويعترضون.. إذ كيف يعيشون بعد الآن.. أعرف بعضهم.. كان دخله يزيد عن عشرة آلاف جنيه شهريا من الإتاوات والبلطجة.. فكيف يتواءمون مع واقع جديد يحرمهم من ذلك.

نتكلم عن الشرطة غير السياسية..

فقط نضيف أن هؤلاء كانوا ملائكة أطهارا وزاهدين أخيارا بالنسبة للشرطة السياسية!.

وكما قلنا أن حبنا وتقديرنا للجيش لا يمنحه حصانة من الانتقاد.. فإن كراهيتنا واحتقارنا للدور الشرير الذي قامت به الشرطة عامة وشقها السياسي خاصة لا يمنعنا من تقدير كبير لمن يقوم بالعمل الحقيقى للشرطة. بالمفهوم الذي لا يبيح لأي شخص أن يقول أنه كان عبد المأمور لينزلق بعدها إلى ممارسات تعافها العصابات ويترفع عنها المجرمون.

***

يقتلني الرعب ويذهلني الفزع ويروعني الهول كلما تخيلت أن المؤامرات التي تدبرها الثورة المضادة بقيادة أمن الدولة قد تؤدي إلى فشل الجيش في مهمته. فالأمر ليس سهلا حتى لو خلا الطريق من العوائق والعقبات. فكيف يكون إذا لغمه ذلك الجهاز الإرهابي الخائن المجرم بالشراك والألغام والمتفجرات.

يقتلني الرعب..

أخشى أن أقول للقارئ المنهك مثلي أن الفجر قد لاحت تباشيره لكن النهار لم يجيء بعد..

إنني واثق أن الأمة إذا ما سارت في الطريق القويم ستتعافى بأسرع مما نظن جميعا.. لكن هذا لا ينبغي أن ينسينا أن التخريب الذي أصاب المجتمع أشد مما نظن جميعا. أو على الأقل فليس من رأى كمن سمع.. وليس من تخيل كمن باشر وعاين واكتشف. على أن أقسى وأشد درجات التخريب هي ما سحقت الإنسان نفسه. هي التي حولت المفكر إلى دجال.. والمثقف إلى عبد انتهازي يلعق حذاء سيده والطبيب إلى سمسار والقاضي إلى عادل عبد السلام والرئيس إلى رئيس عصابة والوزير إلى لص وضابط الشرطة إلى رجل عصابة وأمين الشرطة إلى بلطجي.

يظل الجيش هو القوة المتماسكة الوحيدة.. هو العمود الفقري.. وهو الدعامة الباقية لبناء بدونها ينهار كله. لذلك فإن خشيتنا عليه هي حرص على الأمة والدولة والحاضر والمستقبل. أما من يهاجمونه فهم أعداء الأمة والدولة والحاضر والمستقبل. ونستطيع أن نحصرهم في عدة فئات تتسم بعدم وضوح الحدود بينها:

1- الفئة الآولى: وتتركز في الجهاز المجرم: جهاز أمن الدولة، لا أقول فلوله، لأنني أظن أن هذا الجهاز المجرم ما يزال متماسكا وقادرا على تغيير اسمه ومظهره دون حقيقته وجوهره. وأنه يكمن كالسرطان كي يعاود الانتشار بعد حين.

2- الفئة الثانية: بقايا العصابة الحاكمة.. ولا أقول الحزب الوطني.. بل أقول عصابة على أعلى مستوى من الإجرام والخيانة.

3- فئة أولئك الذين دفعهم الأستاذ نظير جيد إلى مكان كنا نود ألا يكونوا فيه. ويضاف إليهم تلك النخبة الخائنة المنحرفة من أقباط المهجر مع قيادات داخلية تتمرغ في ملايين الفساد دون أن تطالها يد القانون.

4- فئة النخبة المثقفة: وهي لا نخبة ولا مثقفة، بل هي فئة مصطنعة بالكامل اصطنعتها مباحث أمن الدولة وعصابة الحزب الحاكم. وهي تذكرنا بإقطاع أوروبا في القرون الوسطى، حين كان للأمير الذي يملك الأرض ومن عليها يملك حق الليلة الأولى.. ويعني بها حق فض بكارة كل زوجة وقضاء الليلة الأولى معها. لقد قامت مباحث أمن الدولة بدور الإقطاعي.. وكانت جل النخبة المثقفة هي العروس.. مع اختلاف واحد فيما أظن وأحسب.. هو أن عروس الإقطاع كانت تبكي وتنتحب من أجل شرفها المثلوم.. بينما عرائس المثقفين كانوا يندفعون إلى الليلة الأولى في مباحث أمن الدولة في نشوة عارمة وهم يشعرون أن مستقبلهم الحقيقي بدأ. كان شرفهم مجرد بضاعة وكان بيعه صفقة وكان هدفهم دائما الحصول على أعلى ثمن في هذه الصفقة.. مقابل الشرف. كان اعتراف مباحث أمن الدولة بكاتب هو شهادة ميلاده وشهادة تخرجه وشهادة خبرته وشهادة سيره وسلوكه(لم أقل حسن سيره وسلوكه). كانت هي مسوغ التعيين الوحيد المطلوب.. فغيرها يمكن أن يصطنع أو يزور أو يدبر..

ولنستدعي هنا شهادة كاتب يساري اسمه أسامة عرابي في كتابه "فئران البراميل" و يقول الكاتب في مقدمته :

" في مصرنا المحروسة باللصوص والأفاكين الآن، نمطان لا ثالث لهما من الكتاب والصحفيين : أحدهما لا بد يعمل مع أجهزة الأمن التي تنهض بمهمة تعيينهم ودفعهم دفعا في سلم الصعود والترقي، بعد أن امحت تماما الحدود الفاصلة بين عمل المخبر الصحفي والمخبر السري. والنمط الثاني يستمد نفوذه وقوته من علاقاته المشبوهة بقوى كونية مهيمنة على مقدرات البلاد والعباد وهى – بلا ريب – أمريكا ومن ورائها إسرائيل. أما من ارتضى لنفسه الاختيار الصعب، وهو أن يعيش شريفا عفيفا، صاحب مبدأ وموقف، فمكانه الأوحد الانزواء في غياهب النسيان، أو الملاحقة والمطاردة في لقمة عيشه، والمقامرة بمستقبل أبنائه."

انتهى الاستشهاد.. ولو شئتم لأضفتم مئات الاستشهادات على رأسها شهادة الشيخ محمد حسان وشهادة أحمد بهجت-دريم- واللذان أقرا بأنه لم تكن تتم كبيرة ولا صغيرة في مجال الفكر والإعلام دون تخطيط وتدبير واصطناع أو على الأقل موافقة مباحث أمن الدولة.

كانت الدولة مسرحا وكانت مباحث أمن الدولة المخرج والمنتج والممول والقائمة بالمونتاج والتوزيع.

لم ينج منها أحد إلا أقل القليلين ممن رحم الله ووقى.

الكاتب الشريف من النخبة ليس هو –إذن- من نجا من أن تسمه أمن الدولة بميسمها.. بل هو من استطاع أن يحافظ على جزء من استقلاله فلم يتحول بالكامل إلى عميل مباشر مأجور لا يكتب إلا ما يؤمر به.

وليسمح لي القارئ أن أروي له طرفة توضح ما أريد أن أقول: إذ يذكر أن سائحا ذهب إلى تل أبيب.. وبدأ يتجول في المدينة في المساء.. وكلما مر بشارع تجمع حوله القوادون يعرضون عليه فتيات الهوى من كل الأعمار والألوان والجنسيات. ودهش السائح فسأل أحد القوادين:

– ألا توجد في هذه البلاد امرأة شريفة.

وأجابه القواد على الفور:

– يوجد يا سيدي بالطبع.. لكنك ستدفع فيها ثمنا أعلى بكثير!.

انتهت الطرفة..

لكننا نقول أنه يوجد في النخبة المثقة بعض الكتاب الشرفاء.. وثمنهم أعلى بكثير!!

أتحدث عن النخبة المثقفة التي تحتل –بكل معاني الاحتلال والاستيلاء والاغتصاب والخطف والابتزاز والغصب والفرض والإجبار- واجهة الثقافة في بلادنا من فضائيات وصحافة..

أما آلاف المثقفين المهمشين فإنهم هم الشرفاء حقا.

ولقد تحدثت في مقالات سابقة عن العبقرية الشيطانية لجهاز أمن الدولة في انتقاء أحط حثالات المجتمع وأدناها لكي يبوئها المناصب الثقافية الكبرى بل وجوائز الدولة التقديرية.. وأولئك ليسوا مثقفين أصلا.. دعنا من تواضع وظائفهم فإن ذلك لا يشين أبدا. المشكلة ليست في ذلك. المشكلة أنك حين تأتي بجندي وتعينه جنرالا فهو يدرك أنه جنرال عند من عينه فقط. أما عند باقي الناس فهو مجرد جندي بسيط. لذلك فإن ولاءه كله يكون لمن عينه. وليس للناس أو الأمة. إنه يدرك أن ولي نعمته لو تخلى عنه فإنه يعود جنديا كما كان ولا يأبه له أحد. أتساءل على سبيل المثال عن شخصين كمجرد نموذج أو مثل: أتساءل عن عبد الله كمال وسيد القمني.. هل كان يمكن أن يكون لهم أي مكان خارج مقاهي الصعاليك لولا دعم الجهاز الشيطاني لهم.

النخبة إذن ليست نخبة .. والمثقفون إذن ليسوا مثقفين.. بل إن معظمهم يتسم بقدر هائل من الجهل والسطحية.. وليس الجهل والسطحية فقط.. بل القدرة الهائلة على الكذب وارتكاب كل الجرائم دون أي تأنيب للضمير. لا يوجد في الأصل ضمير. وهم يعلمون أنهم صنيعة الجهاز الشيطاني.. لذلك لا يخرجون عن خطه أو حطته أبدا. إن مثقف أمن الدولة أكثر خطورة بكثير من ضابط أمن الدولة.

***

تنقسم النخبة المثقفة إلى طوائف منها:

1 – العلمانيون وقليل جدا منهم من يمكن اعتباره علمانيا فلسفيا أو فكريا.وأغلبهم ينتمي للفئة الثالثة.

2 – الليبراليون: وأقل القليل منهم من هم كذلك. وأغلبهم يصدق عليهم أكثر وصف المتحللين.

3 – الفوضويون الحداثيون وما بعد الحداثيون والصعاليك : وهم قلة قائدة تحمل المعنى الفلسفي للحداثة وما بعد الحداثة: وهي فلسفات مدمرة وشيطانية تماما ولا تحمل من اسمها أي معنى بل إن الإسم خادع جدا، وهي فئة أسقطت كل قيود الدين والعقل- وضع ألف خط تحت العقل- وهي تفوق البراجماتية في عفنها بمراحل كثيرة.

هذه الفئات عالية الصوت جدا.. وقد قدر المحامي الشهير عصام سلطان- وهو على خلاف شديد مع معظم التيارات الإسلامية.. وعلى علاقة حميمة باليساريين- عددهم بما لا يتجاوز مائتي فرد لكنهم لا يكفون عن التواجد المستمر في الفضائيات فتحسبهم كثير وهم قليل. أما الكاتب المتميز العميق محمد إبراهيم مبروك – وهو من أعمق الباحثين وأوسعهم اجتهادا .. أقول ذلك رغم ظلمه الشديد لتيار الإخوان المسلمين- إلا أنه يقدر عدد النخبة المنحرفة التي يسمونها مثقفة بما لا يتجاوز عشرة آلاف شخص.. بقضها وقضيضها.. بقياداتها وأفرادها وصعاليكها.

هذه النخبة هي التي تدير الآن معركة الثورة المضادة.. لقد اختفى الجهاز المجرم الباطش الجبار ليدير – من خلف ستار- المعركة بتحريك عرائسه, واختفت عصابة الحزب وراء أقنعة تنكرية.. وتصدت النخبة للثورة وهي تزعم أنها تقودها بينما هي تهدمها تماما.

وفي هذا الصدد توجد ملاحظتان هامتان وخطيرتان.. وأكرر كلمة خطيرتان مائة مرة.. ففيهما توجد ثغرات كثيرة للشيطان حتى عند المتقين.. كما أنهما قد يحملان تفسيرات لبعض ما يلتبس علينا وحلولا محتملة لألغاز لا نعرف لها حلا:

الملاحظة الأولى : لماذا ارتضت القيادة العليا متمثلة في المجلس الأعلى ورئاسة الوزراء أن تعيش وسط وكر الثعابين والحيات والأفاعي؟ ألا يدركون خطورتها على الثورة وعليهم؟ هل نظرهم أبعد منا؟ هل قرروا تركها لكشفها أملا في تجفيف منابع قوتهم بمنع المدد الشيطاني عنهم كي يسقطوا الواحد بعد الآخر كثمار عفنة؟ أم أن الأمر على النقيض: سذاجة المثاليات أو غرور القوة الذي قد يخيل للواحد منا أنه قادر على المواجهة وعلى الانتصار فلا ينتبه إلا بعد أن تلدغه الحية الرقطاء فيسرى السم في عروقه.. لماذا؟ بل ألف لماذا؟!.. لماذا جاءوا بواحد كيحيى الجمل كي يبث سموم الثورة المضادة في كل مجال يباشره. لماذا تبدو الضوضاء والشغب التي يثيرها هؤلاء الغوغاء والصعاليك مؤثرة على مراكز اتخاذ القرار. ألم تفطن الأجهزة الأمنية الحقيقية- وليست مباحث أمن الشيطان- إلى الروابط العضوية التي تربط هؤلاء بالخارج.. بالتحديد أمريكا وإسرائيل بالأصالة وأوروبا بالإنابة؟.. هل تم تعقب مصادر تمويلهم. ألم تخش مصادر اتخاذ القرار أن هذه الفئات ليس لديها مانع من تدمير الوطن كله في سبيل الاحتفاظ بمصالحها. وأنها لن تمانع من مذابح يموت فيها مئات الآلاف كي لا تكون الكلمة الأولى للشعب في صندوق الانتخابات. من تلك العصابة المجرمة ذلك الداعر الخسيس الذي ينشر الفاحشة بين المؤمنين الذي صرخ في عصام سلطان "لابد أن نظبط البلد أولا" وهو يعني حرمان الشعب من حكم نفسه ومنع الإسلام ونشر الفاحشة. وليس ذلك غريبا عليه فهو التلميذ النجيب لأستاذه المخرج الأشهر مورد الفتيات لأبناء الحكام.

يقول عزمي بشارة : أخشي أن مسار الثورة في مصر ينحرف ليصير مثلما حدث في الجزائر ،، النظام خرج من الباب و التف ليدخل من الشباك .

النظام القديم هم هذه الفئة المنحرفة التي تزعم أنها نخبة ومثقفة.. ولا هي نخبة ولا هي مثقفة.. هم مجرد عملاء وخونة وتعساء وصعاليك. دعكم من انحرافهم السياسي.. ابحثوا عن ملفاتهم في نيابة الأموال العامة ومباحث الآداب!.

الملاحظة الثانية وهي لا تقل خطورة عن الأولى: هو أن الثورة المضادة.. وإن بدت تهاجم الجيش هجوما سافلا ظالما منحطا بذيئا.. إلا أن أملها كله ينحصر فيه.. إذ أن ما يرعب هذه النخبة الضائعة الخائنة أن تؤول الأمور إلى شعب لم ينجحوا أبدا في التواصل معه ولا في الحصول على إعجابه أو حتى احترامه. فلو آل الأمر إلى الشعب حقيقة وامتلك ناصيته بيده لانتقل جل هؤلاء من مقاعد النخبة إلى أقذر سلال قمامة التاريخ. الأمل الوحيد لهؤلاء أن يستمر الحكم العسكري بشكل مقنّع. فالحكم العسكري هو الذي يحميهم من الهزيمة الساحقة في صناديق الانتخاب. لذلك فهم يريدونه بشرط أن يكونوا هم الواجهة والقناع. أن يكونوا هم المرأة الشريفة ذات السعر الأغلى.

يقول الكاتب القبطي الرائع د. رفيق حبيب:

"والحقيقة أننا بصدد بعض النخب التي تصور الدولة المدنية تصورا يجعلها دولة الحكم بالوصاية على الناس، أي دولة دينية ثيوقراطية، دينها العلمانية، وتريد هذه النخب من الجيش أن يحمي مشروعها. وتلك مفارقة، فبعد ثورة شعبية رائعة، يريد البعض بناء ديكتاتورية جديدة، تحت عناوين مضللة، مثل عنوان الدولة المدنية، الذي يراد به عكس ما يفهم من معناه، فكيف تكون الدولة مدنية، ويفرض فيها الوصاية على الشعب، ويحمي الجيش هذه الوصاية المفروضة على الناس؟" راجع المقال في الرابط التالي:

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=54928

***

أظن أن نصيحة جاءت من الشيطان تنصح الثورة المضادة بعدم التهور والتورط بمواجهة الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وعصام شرف:

– لا تحاربوهم ولا تجادلوهم كثيرا.. فقط عليكم أن تتيحوا الحرية للنخبة العفنة الطافية على مجرى نهر الثقافة والسياسة الآسن.. تلك النماذج العفنة التي يربيها الشياطين منذ أكثر من ستين عاما..أطلقوا العنان لتلك النخبة العفنة وهي ستتكفل بتمييع كل شيء وبتضييع كل شيء.. لقد انهزمت الشرطة بكل جحافلها وبطشها وقسوتها في يوم أو بعض يوم.. أما هؤلاء المثقفون فهم صامدون منذ ستين عاما..وسيظلون صامدين طالما يواجهون بالفكر وبالجدال.. لن تخرسهم حجة.. ولن يهزمهم منطق.. لن يهزمهم إلا بوليس الآداب ونيابة الأموال العامة ثم التحري الدقيق عن علاقاتهم بالأجانب..

هذه النخبة السافلة ترفض الديمقراطية التي تتشدق بها..

إنها تطلب ديمقراطية تأتي بها.. فإن أتت بسواها فهم أول أعدائها

***

لقد خطر ببالي بعد ما سقت من أدلة على ضابط أمن الدولة ومثقف أمن الدولة وحق الليلة الأولى للإقطاعي أن مثقف أمن الدولة الآن كأرملة مات زوجها ..

قلت لنفسي-جادا- أنهم ظلوا طوال العقود الماضية يمثلون ديكور المعارضة الذي صنعه النظام وحدد مواصفاته. كانوا هم من أهم أعمدة النظام. والآن بعد الثورة.. يقفزون كالجرذان.. كلما سددت ثغرة اندفعوا من حفرة أخرى وامحت الفواصل بين شاشات الفضائيات وصفحات الصحف التي يطلعون عليها وبين حفر المجاري التي يقفزون منها. يتدفعون ليزعموا أنهم هم الذين قاموا بالثورة.. ( هل رأيتم من قبل في التاريخ كله ثائرا يتقاضى 11 مليون جنيه مرتبا سنويا من النظام الذي ثار عليه.. وما خفي كان أعظم) .. نعم ظلوا يمثلون ديكور المعارضة والآن يندفعون ليزعموا أنهم هم الثوار.

قلت لنفسي- ساخرا- أن القياس من مصادر الفقه.. وأن المسألة وإن كانت غير فقهية إلا أنه يمكن القياس عليها.. فكيف تحول أرامل أمن الدولة في يوم وليلة إلى أمهات للثورة.. ألا يوجد موعد للحمل وللجنين وللولادة..

ثم كيف انتقلوا فجأة من أرامل أمن دولة إلى أمهات للثورة دون قضاء فترة العدة.

ألم يكن عليهم أن ينتظروا ثلاثة قروء حتى ينقلوا ولاءهم من هذا لذاك.. عشقهم من هذا لذاك.. انبطاحهم أمام هذا لانبطاحهم أمام ذاك؟

لقد انتقلوا فجأة من تمثيل دور المعارضة لنظام مبارك إلى محاولة تمثيل دور المعارضة للجيش..

فماذا إذن عن الحمل المستكن في أحشائهم من النظام السابق؟.

إنهم يزايدون على الجميع حتى لتحسب أنهم هم الذين قاموا بالثورة.

لا أيتها الطفيليات العفنة التي اقتاتت على فضلات وفتات الطاغوت حتى أوشك على التلاشي فاندفعت بحرصها العارم على الحياة الدنيئة تبحث عن طاغوت جديد تتطفل عليه.

وفي مزايدتهم تلك .. وفي نفس السياق تصنعوا أنهم يهاجمون الجيش.. تماما كما كانوا يمثلون دور المعارضة للطاغوت بينما كانوا من أهم أركانه.

إلا أن الأمر لم يكن بهذه البساطة.. كانوا يريدون إرغام الجيش على السير في الطريق الذي يرسمونه له.. وإلا أطلقوا عليه ألسنتهم القاذفة المسعورة.. إما أن تفعل ما نريد أو نشعل النار حولك من كل مكان.

إنهم يتصنعون ويزعمون أنهم لا يريدون السياسة الحالية للجيش. وأنهم يريدون أن يستمر عامين بشرط عدم اللجوء إلى صندوق الانتخاب قبل أن "يظبطوا البلد"!!.

وهم لا يريدون ذلك حقا.. بل إنهم يريدون أن يلغى الجيش الديمقراطية الحقيقية وحكم الشعب.. وأن يقدم لهم مجرما آخر كمبارك وأن يكونوا هم الحاشية الجديدة وأن يكون الأمر مجرد استبدال لص بلص على أن يستمروا هم في حاشية اللص الجديد.

قلت لنفسي-ساخرا- أنهم يقومون بدور المحللين.

ولا أقصد بلفظ المحللين هنا الاسم المشتق من الفعل: حلل يحلل تحليلا فهو محلل وهي محللة وهم محللون وهن محللات وحلل الشيء أي جزأه وفك معانيه ومغازيه وجعله بسيطا . لا أقصد هذا المعنى للتحليل. بل أقصد المعنى الآخر. المعنى القذر النجس لكلمة المحلل. معنى الديوث. الديوث الذي يقوم بارتكاب الفاحشة بقناع الشهامة والبراءة وتقصى الحلال بينما هو يزني ويسوغ للزنا!. قلت لنفسي أنهم يدركون أن الأمة طلقت نظام الطاغوت الجبار طلاقا بائنا لا تجوز بعده لطاغوت آخر إلا أذا أسلمت زمامها لآخر يذوق عسيلتها.. فئة المحللين تريد أن تقوم بهذا الدور الآن. دور المحلل الذي يسوغ انتقال السلطة بعد مبارك إلى طاغوت آخر.

إن ثقتنا في الجيش والمجلس الأعلى هائلة- ولكنها ليست مطلقة-.. ولكن ذلك لا يطمئننا.. إذ ما يدرينا.. أن هؤلاء المحللين.. بما يملكون من دعم أجنبي وخطط أمريكية إسرائيلية يرتبون لشخص خائن- كما رتبت من قبل كثيرا ونجحت غالبا- في تحديد من هو الرئيس القادم.

هذا هو حلم النخبة المثقفة التي تقود من أجله الثورة المضادة الآن.

ليس مجرد العداء للإسلام ما يحركهم.. وإنما العداء للأمة كلها.. وهو ما تبدى منهم بعد أن خذلتهم الأمة في الاستفتاء فانكشف ما كانت تخفي صدورهم من غل وحقد واحتقار لأمة تحتقرهم.. والاستكبار على أمة تحتقرهم.

ولكم كان محزنا أن رئيس الحزب الوطني الجديد- قبل أن تلغيه المحكمة- شارك في محاولات الغواية تلك عندما طالب بأن يكون الرئيس القادم عسكريا.

لم يختلف الأمر إذن عما نتوقع..

سوف يقود الحزب الوطني الجديد الثورة المضادة تحت توجيه كامل من أمن الدولة تحت غطاء كامل من الموساد والسي آي إيه.. سوف تتركز المحاولات في إقناع الجيش أن يحكم.. هم يعلمون أن المجلس الأعلى أعقل وأحكم.. لكنهم- وهذا خطير- يقدمون الغواية لمن ينقلب من داخل الجيش على المجلس العسكري ذاته.

هذه الغاية هي المطلب الحقيقي للثورة المضادة التي تهاجم الجيش وتشهر به.

ليس أنها ضد الإسلام فقط.. ولا لأنها ضد الإخوان المسلمين أو السلفيين. بل لأنها ضد صندوق انتخاب يفضحها ويخزيها ويكشف حجمها الهزيل.

لن تتورع الثورة المضادة بكل أحاييل الشيطان على إثارة كل أنواع الفوضى والتخريب حتى ترغم الجيش أن يحكم.

لن تتورع عن ذلك.. ليس لمجرد أطماعها الخاصة.. بل لأن هذا بالضبط هو ما كلفوا به من رعاتهم ومموليهم من الخارج. وليت القارئ يراجع بروتوكولات حكماء صهيون ليعرف تفاصيل ما تقوم به هذه الفئة الضالة المضلة. هذه الفئة التي فضحها الاستفتاء الأخير.

***

مرة أخرى.. وأرجو ألا أضطر إلى تكرار ذلك كل مرة.. فإنني أحترم الحق الإنساني في الخطأ وأضرب عليه الأمثال بالقرآن والحديث والتراث الإسلامي والإنساني.. ولا تثريب أبدا على من يجتهد فيخطئ. وأنني لا أهاجم أبدا أحدا من هؤلاء. هجومي كله منصب على غالبيتهم العظمى الذين لا يتورعون عن أحط أنواع الكذب وأخس أنواع ال

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled