القاهرة / المسلة
يحتفل اليوم برج القاهرة بعامه الخمسين ،في ظل تحولات كبيرة تشهدها مصر ولا يعرف الكثيرون من سكان المدينة وزوارها أن البرج الذي صارا علامة في حياتهم اليومية يقف وراءه تاريخ طويل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسنوات المجد التي صاغتها ثورة 23 يوليو 1952 ، كما يرتبط كذلك بتفاصيل تختلط فيها المتعة بالبهجة وذكريات الطفولة والشباب .
ويتواكب الاحتفال باليوبيل الذهبي للبرج مع أيام مجيدة تعيشها مصر بفضل ثورة شبابها في 25 من يناير كما يشير إلى ذلك الروائي مكاوي سعيد صاحب كتاب " مقتنيات وسط البلد " الذي يرى كذلك أن البرج سيظل رمزا لرفض التمويل الاجنبي وكان بمثابة تحدٍ للامبريالية الغربية في زمن المد الثوري " .
ويستعيد مكاوي قصة بناء البرج مشيرا إلى أن البرج تم بناؤه في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وتكلف 6 ملايين جنيه مصري وقتها كانت الولايات المتحدة قد أعطتها لمصر بهدف التأثير على موقفها المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي.
و عندما تم بناء البرج كان له اسمان فالأمريكان أطلقوا عليه «شوكة عبد الناصر»، أما المصريون فقد أطلقوا عليه اسم «وقف روزفلت» ويعتبر برج القاهرة أكبر وأطول «لا» في التاريخ لأن الملايين الستة لم تخدع عيون الرئيس عبد الناصر لتغيير موقفه تجاه القضايا العربية ورفض حتى أن يخصصه للانفاق على البنية الأساسية في مصر رغم احتياج البلاد وقتها لهذا المبلغ ولكن أراد عبد الناصر أن يبني بناء يظل علماً بارزاً مع الزمن يعلم المصريين الكرامة وحتى وإن كانوا في أشد الاحتياج رغم أن المبلغ حمله حسن التهامي الذي كان يشغل وقتها منصب مستشار رئيس الجمهورية وجاء بالمبلغ في حقيبة سلمها للرئيس بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة التي لم تكن علاقتنا بها قد ساءت تحت مسمى مساعدة رؤساء الدول الصديقة ولكن رفضها عبد الناصر أياً كان مسماها وها هو الآن يزوره السائحون العرب والأجانب والمصريون ليتذكروا تاريخه.
والبرج قام بتصميمه المهندس الراحل نعوم شبيب، وتم بناؤه بين عامي 1956 – 1961 من الخرسانة المسلحة على تصميم زهرة اللوتس المصرية، ليذكر العالم بالقيم المعمارية للحضارة المصرية العريقة . ويقع في قلب القاهرة على جزيرة الزمالك بنهر النيل ، يصل ارتفاعه إلى 187 متراً وهو أعلى من الهرم الأكبر بالجيزة بنحو 43 مترا.ووقت تأسيسه كان المبنى الأعلى في القاهرة ، ولعل الكثيرون يذكرون أسطورة مطعمه الدوار الذي يوجد على قمته بهدف مساعدة رواد المطعم ليروا معالم القاهرة من كل الجوانب. واللافت أن مكاوي سعيد يعتقد أن البرج تحول في السنوات الاخيرة إلى رمز استهلاكي وتجاري منعدم القيمة.
إشارة سعيد ترتبط ارتباطا وثيقا بالتجديدات التي جرت في البرج قبل سنوات وركزت على كونه معلما سياحيا ولم تلتفت للقيمة الثقافية فيها لكونه يضم مجموعة من الجداريات التشكيلية التي صممها الفنان الراحل حسين بيكار .
يتكون البرج من 16 طابقاً ويقف على قاعدة من أحجار الجرانيت الأسواني التي سبق أن استخدمها المصريون القدماء في بناء معابدهم ومقابرهم . وتستغرق الرحلة داخل مصعد البرج للوصول إلى نهايته 45 ثانية لتشاهد عندما تقف على القمة بانوراما كاملة للقاهرة، الأهرامات، مبنى التلفزيون، أبي الهول، النيل، قلعة صلاح الدين، الأزهر تشعر وأنت تنظر في النظارة المكبرة أنك تزور مصر كلها في لحظة واحدة .
ويعرف المصريون ان كيف أن السينما المصرية رسخت لصورة البرج في الذاكرة اليومية فقد جرى تصوير عدة افلام سينمائية بداخله مع افتتاحه أبرزها " موعد في البرج " من بطولة سعاد حسني وصلاح ذو الفقار ، اضافة إلى فيلم " آخر الرجال المحترمين " لبوسي ونور الشريف غير أن الروائي حمدي أبو جليل مؤلف كتاب " القاهرة شوارع وحكايات " يربط البرج بصور أخرى في ذاكرته اذ ارتبط بعشقه للنادي الأهلي اذ كانت صور السبعينيات تظهر نجوم الأهلي وخلفهم البرج على سبيل الزهو الوطني لكن هذا الزهو جعل " المبنى علامة وطنية " يسخر منها أبوجليل الأن لأن مصر على مر تاريخها عرفت أبراجا كثيرة وبالتالي تحول البرج إلى مبنى لكشف القاهرة ورؤيتها من أعلى .
بقي أن نشير إلى أن الاحتفال باليوبيل الذهبي للبرج يتضمن احتفالية يشارك فيها منير فخري عبد النور وزير السياحة ومحافظ القاهرة الجديدة عبد القوي خليفة وبعض الفنانين والرياضيين ووفود عربية وأجنبية لتنشيط السياحة المصرية .وتنطلق شعلة الاحتفالية من أمام جامعة الدول العربية تحملها شيماء منصور أصغر حكم كرة قدم في العالم .
