صنعاء: عبد الله باخريصة
منذ أن أعلن رسميا حصول مدينة تريم على لقب “عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010″، ابيضت وجوه اليمنيين جميعا، وبالأخص أهالي المدينة التي يطلق عليها “الغنّاء”، لأنهم وأخيرا أحسوا بل وأيقنوا أن العالم لم ينس مدينة تراثية تقع في وادي حضرموت تأخذ هذا الاسم، وتكتنز بين جنباتها كثيرا من ملامح التراث والتاريخ العتيق، الضارب بجذوره أعماق التاريخ.
وعليه، سارعت اللجان الثقافية والسياحية والعمرانية المعنية للاستعداد لهذا الحدث الكبير، رغم تأخرها بعض الشيء في العمل، إلا أننا وبحق نرى اليوم أن العمل يمضي بالمدينة على قدم وساق، غير أن هذا الأمر هو من الواجب وليس في الأمر خلاف، لكن المفاجأة كانت كبيرة! حتما كبيرة! ليمتعض بعدها كثير من أهالي مدينة تريم وتتحير عقولهم أمام هذا الأمر! “السياسية” لحقت الموكب واستطلعت في شأن المدينة لتتعرف عن قرب عن هذه الأعمال، وهل هي في مكانها أم لا.
تريم.. عاصمة إسلامية
تريم الغناء، هي مدينة العلم والعلماء منذ القدم، ولسنا هنا بصدد سرد تاريخها الإسلامي الكبير، حيث هو الآخر لا يحتاج إلى تنويه أو تعريف، وهو أيضا أشهر من نار على علم، ولذا خلّف هذا التراث العلمي الكبير جملة من الآثار والمواقع التاريخية الإسلامية من مساجد ومعالم ودور علم ونهضة، مما جعلها أكبر المدن التاريخية والإسلامية في العالم، وتفوز بلقب “عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2010”.
ما معنى عاصمة للثقافة الإسلامية؟
إن اختيار تريم كان تنفيذا لقرارات المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة للدول الإسلامية، الذي انعقد بالجزائر في العام 2004، حينما أقرت المنظمة الإسلامية للعلوم والتربية والثقافة (إسيسكو) ترشيح ثلاث مدن عربية لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2010، لتفوز بها في الأخير مدينة تريم، لفضلها وتاريخها الإسلامي المشرف في نشر الإسلام إلى ربوع المعمورة شرقا وغربا.
والقرار في حد ذاته يخص الجانب الإسلامي أكثر منه العربي؛ لأن بالمقابل هناك احتفالات تقام بعواصم الثقافة العربية، وقد حازت عليه العاصمة صنعاء في العام 2004، حيث يهتم هذا الجانب بكل ما للعروبة من صلة، أما العواصم الثقافية الإسلامية فتهتم ما للمعالم الإسلامية ذات الطابع الثقافي من صلة أخرى.
ومن هنا، فالأهالي في مدينة تريم أخذتهم الدهشة والعجب، حينما كانت مدينتهم التي حازت على لقب العاصمة الإسلامية لم تهتم الجهات المعنية بالمآثر والمواقع الإسلامية! بل كان الاهتمام وبكثافة بالطابع العربي.
سرعة وإتقان في العمل
تتسارع هذه الأيام وتيرة العمل بارتفاع في مدينة تريم، وذلك لقرب إعلان احتفاليتها الإسلامية الكبيرة “تريم عاصمة الثقافة الإسلامية”، وقد أخذت الأعمال تنافس بعضها بعضا بين القصور البارزة في المدينة بتزيينها وتشييدها وإعادة إبراز ألوانها ومعالمها التي أخفتها عوامل الطبيعة، والطرقات التي اكتحلت مساحاتها وجوانبها بالإسفلت والرصف الحجري الجميل، ونتمنى أن تستمر في ذلك العمل الجودة والإتقان، حتى تتجنب المدينة وأهلها كل المخاطر، والقدر المحتوم لله.
اطمئنان لنجاح الفعالية
استبشرت خيرا عندما قرأت حوارا للأستاذ معاذ الشهابي، مدير المكتب التنفيذي لفعاليات “تريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010″، بهذه الصحيفة الطيبة في عددها 20854 ليوم السبت الموافق 30 يناير 2010، وقرأه مجموعة من أبناء تريم واستبشروا خيرا لما فيه من اطمئنان بمستوى العمل في المدينة وتعاون أهلها وقيادة المحافظة، كما يتمنى الأهالي أيضا من كل المعنيين بالأمر أن يكون الاهتمام أكثر بالآثار الإسلامية، التي تحمل من الإرث التاريخي ما يؤهلها لأن تكون وجهة لزوار المدينة والباحثين عن التراث.
اهتمام بالقصور.. وتجاهل للآثار الإسلامية
وعلى أساس تلك الوتيرة العالية هبت الجهات المسؤولة عن إعادة الإعمار والاستعداد لهذه الاحتفالية بتريم بإعادة هيكلة وتصميم وتشييد القصور التراثية في مدينة تريم، والتي من بينها “قصر الكاف” (عشة) و”دار السلام” و”قصر الرياض” وغيرها، وهي خطوة عظيمة، غير أن الدهشة بالمقابل عظمت عندما وجدت الآثار الإسلامية والمعالم التاريخية نفسها بعيدة عن النظر والاهتمام، فهناك أكثر من 40 مسجدا في مدينة تريم، له من التاريخ والثقافة الإسلامية الشيء الكبير لكن لم تعر تلك الجهات الخاصة بالإعمار أي نظرة أو اهتمام، كما أنها لم تُطلَ لأي منها بقعة.. بهذه المناسبة، رغم اعتبارها الأحق بالعمارة دون غيرها من القصور!
من جانب آخر فإن القصور التي أعيد تأهيلها هي قصور مازالت تابعة لأشخاص وليس للدولة، وكثير من أوقاف الدولة الأثرية لم تذكر بعد ولم يكشف عنها وعن الحديث عن تاريخها، فهل نسينا أن تريم عاصمة للثقافة الإسلامية؟ أم اختلطت علينا الأوراق لنسحبها إلى عاصمة للثقافة العربية؟!
صحابة وعظماء بحضرموت.. أين هم؟
لقد أكرم تراب حضرموت عامة وتريم بشكل خاص بإقدام وحوافر فرسان كثير من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، بل وطابت تربتها بدفن عدد منهم –كما هو في كتب التاريخ– فبعد اعتناق أهالي تريم دين الإسلام، بعد عودة وفد حضرموت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة، وذلك في السنة العاشرة من الهجرة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أول عامل على حضرموت من قبله وهو الصحابي الجليل زياد بن لبيد البياضي الأنصاري، وبعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه إمارة المسلمين أرسل كتابه إلى لبيد الأنصاري فقرأه على أهل تريم فبايعوا أبا بكر الصديق، وارتد نفر من كندة فقاتلتهم جيوش المسلمين، كما كان لأهل تريم الثابتين على الإسلام دور كبير في قتال المرتدين، وحدثت معركة فاصلة انتصر فيها جيش المسلمين بـ”حصن النجير” الذي يقع شرقي تريم، وخلفت هذه المعركة جرحى من الصحابة فقدموا تريم للتداوي بها فماتت جماعة منهم ودفنوا بها.
وعلى هذه الحادثة الإسلامية العظيمة لم نر إلى الآن كثرة اهتمام بهذه الشواهد والأماكن التي حدثت فيها هذه الأمور، رغم اعتقاد الأهالي في تريم بأن الزوار حين قدومهم أول ما سيسألون عنه هذه الآثار الإسلامية الكبيرة وليس على القصور وتشييدها.
“مجاري”.. ولا غالب إلا الله
ونعود أيضا إلى قصتنا القديمة الجديدة، فقبل أشهر حينما بدأ العمل في مدينة تريم ظن الجميع أن أول ما سيبدأ به هي المجاري التي تسيح في الطرقات والشوارع العامة، والتي يأس منها ومن منظرها أهل المدينة، بل وأصبحت عادة لا بد منها –كما قال أحد العجزة حين وقف أمامها ناظرا متحيرا في حيلة يجتاز بها إلى مقدمة الطريق– إلا أننا وإلى اليوم لم نر تحسنا ملحوظا في هذا المجال، رغم كلام الشارع الذي يتوسم إلى اللحظة رغم اليأس الخير في أصحاب الشأن والمسؤولية، ولذا نطلقها صرخة أخرى للالتفات لهذه النقطة، وإلا فإن القذارة والنجاسة طاغية على الأهالي ولا غالب لها من بعد إلا الله.
في الأخير.. حبا لتريم لا كرها لها
في نهاية المطاف نبقى مع كلمة بسيطة، هي في الأساس رأي شخصي لي، وهي أنه قد سبق وبينت سابقا في استطلاع بهذه الصحيفة القيّمة بعض القصور والتأخير في العمل بمدينة تريم، وذلك قبل أشهر، مما أثار حفيظة بعض الناس وقوبل الموضوع بالرفض والنكران، رغم أن كل الذي بينته هي وقائع واضحة كعين الشمس لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها، لكن الأمر يظل بين وجهات النظر، وها نحن اليوم والحمد نرى كثيرا من التقدم في العمل وهذا ما لمسناه، غير أن هذا العمل لا نريده أن ينخرط في طريق التيه، وما المواضيع التي تناولناها في هذا التحقيق إلا ما يرويه الشارع وأهله بل والعقل والمنطق في مدينة تريم، ولذا وكما سبق أن اتُّهِمنا بأننا بكلامنا لا نحب تريم ولا نريد لها الخير.. فأقول وأتساءل: من يحب تريم أكثر من أبناءها وأهلها؟ أم أن من يبصّر الناس عن أمور واقعة في بلده أو منطقته يعتبر كارها لها؟! فتريم بجهود أبنائها وتعاون محبيها من كل محافظات الجمهورية اليمنية الحبيبة هم من سيبنيها ويستقبل زوارها ويحافظ على ممتلكاتها.