زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، قبل إلقاء خطابه للعالم الإسلامي من القاهرة ، مسجد ومدرسة السلطان حسن الواقعة قرب قلعة صلاح الدين الأيوبي . ويعد هذا المسجد نموذج معماري رائع يطلق عليه علماء الهندسة المعمارية والآثار درة تاج المعمار الإسلامي، وتشير وظيفة هذا المبنى الفخم ،الذي يضم مدرسة ومسجد وحجرات مبيت للطلبة ومطابخ ودورات مياه وضريح للدفن، إلى كونه المثال الأكبر لتدريس المذاهب الإسلامية الأربعة عند أهل السنة . حيث كان الطلاب الملتحقون بالمدرسة يتلقون دراسة المذاهب الأربعة في نفس المكان ثم يتخصصون فيما بعد في أحد تلك المذاهب.
ويعتبر علماء الآثار والحضارة الإسلامية مدرسة السلطان حسن أكبر نموذج مبنى ديني خصص لتدريس المذاهب الأربعة مجتمعة(الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي)،لأكبر عدد من الطلبة . فكما يقولون عن هذا المبنى أنه أكثر آثار القاهرة تناسقا وانسجاما، ويمثل مرحلة نضوج العمارة المملوكيّة، فهو يمثل بحق نضوج المذاهب الإسلامية في العصر المملوكي .
يعود إنشاء هذا المجمع الإسلامي ،المسجد والمدرسة و الضريح، إلى القرن الرابع عشر الميلادي. وقد أمر ببنائه السلطان حسن بن محمد بن قلاوون أحد سلاطين دولة المماليك البحرية .بدأ البناء في سنة 1356 ميلادية واكتمل بعدها بسبع سنوات في 1363. ورغم تشييد ضريح لدفن السلطان حسن فيه داخل المسجد إلا أن السلطان قتل قبل انتهاء البناء ولم يعثر على جثمانه، ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد خصيصا بل دفن فيه ولداه فيما بعد.
تولى السلطان حسن بن الناصر محمد قلاوون الحكم سنة 748 هجرية / 1347م بعد أخيه الملك المظفر حاجى وعمره ثلاث عشرة سنة ، ولم يكن له في أمر الملك شيئا لصغر سنه بل كان الأمر بيد أمرائه وما لبث أن بلغ رشده فصفت له الدنيا واستبد بالملك إلى أن اعتقل سنة 752 هجرية / 1351م وظل في معتقله مشتغلا بالعلم حتى أعيد إلى السلطنة مرة أخرى في سنة 755 هجرية = 1354م وظل متربعا في دست الحكم إلى أن قتل سنة 762 هجرية = 1361م.
يعتبر هذا المسجد بحق أعظم المساجد المملوكية وأجلها شأنا فقد جمع بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، وتوفرت فيه دقة الصناعة وتنوع الزخرف، كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات فنرى دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته الحجرية والخشبية العجيبة.
وبراعة صناعة الرخام ممثلة في أجزاء من الضريح وإيوان القبلة المخصص للصلاة ومحرابيهما الرخاميين والمنبر ودكة المبلغ و مداخل المدارس الأربعة المطلة على الفناء الأوسط ومزررات أعتاب أبوابها . كما نشاهد دقة صناعة النجارة العربية والتحف الخشبية وتطعيمها مجسمة في كرسي المصحف الموجود بالقبة.
أما باب المسجد الخشبي المغلف بصفائح النحاس المركب الآن على باب جامع المؤيد شيخ بشارع المعز فيعتبر مثلا رائعا لأجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المزخرف على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة.وقد نقل هذا الباب من مدرسة السلطان حسن إلى مسجد المؤيد شيخ . وما يقال عن هذا الباب يقال عن باب المنبر.
وهناك على أحد مدخلي القبة بقى باب مصفح بالنحاس كفتت حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية جميلة جديرة بإقناعنا بعظيم ما يحويه هذا المسجد من روائع الفن وما أنفق في سبيله من أموال طائلة.
وقد ازدحمت روائع الفن في هذا المسجد فاشتملت على كل ما فيه لا فرق في ذلك بين الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية وقد احتفظت دار الآثار العربية بالقاهرة بالكثير من هذه التحف النادرة وهى تعتبر من أدق وأجمل ما صنع في هذا العصر.
تشرف على الصحن أربعة إيوانات متقابلة ومعقودة أكبرها وأهمها إيوان القبلة تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب الأربعة الإسلامية كتب على كل من أبوابها أنه أمر بإنشائها السلطان الشهيد المرحوم الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون في شهور سنة 764 هجرية ويتكون كل منها من صحن مكشوف وإيوان القبلة ويحيط بالصحن مساكن للطلبة مكونة من عدة طبقات بارتفاع المسجد.
ويتوسط صحن المسجد قبة معقودة على مكان الوضوء تحملها ثمانية أعمدة رخامية كتب بدائرها آيات قرآنية في نهايتها تاريخ إنشائها 766 هجرية وتحيط بدائر إيوان القبلة وزرة رخامية يتوسطها المحراب وعلى يمينه المنبر الرخامي الذي يعد من المنابر الرخامية القليلة التي نشاهدها في بعض المساجد، ويعلو الوزرة الرخامية طراز من الجص محفور به سورة الفتح بالخط الكوفي المزخرف بلغ الذروة في الجمال والإتقان.
وتقوم القبة خلف جدار المحراب – بعد أن كانت تشغل أحد الأركان في المساجد الأخرى وهذا الوضع ظهر في هذا المسجد لأول مرة.
ويتوصل إليها من بابين على يمين ويسار المحراب بقى الأيمن منها بمصراعيه النحاسيين المكفتين بالذهب والفضة بينما فقد مصراعها الأيسر.
وتبلغ مساحة القبة 21 في 21 مترا وارتفاعها 48 مترا، ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر حيث حلت محل القبة القديمة، وبأركانها مقرنصات ضخمة من الخشب نقش أحدهما ليمثل ما كانت عليه باقي الأركان، وتكسو جدران القبة بارتفاع ثمانية أمتار وزرة رخامية يعلوها طراز خشبي كبير مكتوب في نهايته تاريخ الفراغ من بناء القبة القديمة سنة 764 هجرية.
ولهذا المسجد واجهتان هامتان أولاهما الواجهة الرئيسية وطولها 150 مترا تحليها صفوف مستطيلة تنتهي بمقرنصات ومفتوح فيها شبابيك لمساكن الطلبة وتنتهي من أعلى كما تنتهي الواجهة الشرقية والمدخل بصف ضخم من زخارف المقرنصات المتعددة والذي يبلغ بروزة حوالي 1.50 متر وكان يعلوه شرفات مورقة أزيلت عن الواجهة العمومية والمدخل في السنين الأخيرة للتخفيف عنه.
أما المدخل الرئيسي يمتاز بالضخامة و يبلغ ارتفاعه 38 متراً وتزينه زخارف متنوعة محفورة في الحجر أو ملبسة بالرخام .
أما الواجهة الثانية للمدرسة تطل على ميدان صلاح الدين والباب الخلفي للقلعة وتتوسطها القبة تقوم على يمينها مئذنة كبيرة يبلغ ارتفاعها 84 مترا تقريبا وعلى يسارها مئذنة صغيرة أقل من الأولى ارتفاعا. ويرجع تاريخ إنشائها إلى سنة 1070 هجرية .