أعلن وزير الثقافة فاروق حسنى والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور زاهي حواس عن قيام الفريق المكون من علماء الآثار وأساتذة الجامعات بالكشف عن أسرار خطيرة لم تعرف من قبل أثناء إجراء الدراسات والأبحاث بالأشعة على ست مومياوات الموجودة حاليا بالمتحف المصرى وترجع الى عصر الدولة الحديثة أثنتان منهما عثر عليهما فى المقبرة 35 بوادى الملوك وأثنتان عثر عليهما فى خبيئة المومياوات بالدير البحرى عام 1982 ، والأخيرتان بالمقبرة رقم 60 بوادى الملوك بواسطة هوارد كارتر ، احدهما تم التأكد من انها للملكة حتشبسوت والأخرى للمرضعة الملكية ” ست رع إن ” .
لكن الكشف المذهل والأهم – والذى أعلن خلال مؤتمر صحفى بالبهو الرئيسى للمتحف المصرى – هو ما كشف عنه الدكتور زاهى حواس ، أثناء قيام فريق العلماء بدراسة مومياوات تحتمس الأول ، والثانى والثالث ، والذى اتضح أن المومياء التى كان يعتقد انها للملك تحتمس الأول ليست ملكية ، وليست لتحتمس الأول بل لشخص مجهول الهوية ، وهو ما يعصف بكافة الحقائق والمعلومات السابقة عن ان هذه المومياء لتحتمس الأول .
ويوضح وزير الثقافة فاروق حسنى أن ما يؤكد أهمية هذه الاكتشافات ويعطيها القيمة أنها جاءت من قبل فريق علمى بحثى مصرى برئاسة الدكتور حواس ، وطبقا لاحدث النظم العلمية ومعامل ال”دى أن ايه” المخصصة لدراسة المومياوات وهى الأولى من نوعها بالعالم ، بالاضافة الى ان هذه الحقائق هى قنبلة القرن ال21 ، وستمحو سطور فى كتب التاريخ والآثار التى صدرت منذ سنوات والتى تؤرخ لتاريخ الاسر الفرعونية .
ويشير الدكتور زاهى حواس الأمين العام للمجلس الاعلى للاثار الى أن دراسة الاشعة المقطعية للمومياء الموجودة بالمتحف المصرى والتى عثر عليها بخبيئة المومياوات ، انها خاصة بسيدة فمها مفتوح ويعتقد انها قتلت وكانت تصرخ وقد تم تحنيطها على هذه الحالة ، اما المومياء الأخرى فاتضح انها تم تحنيطها وهى فى وضع ملكى ويدها على صدرها وانه بمرور الزمن تم تعديل هذا الوضع .
وأشار الى أنه تحاليل “الدى أن ايه ” للملكة حتشبسوت أثبتت وجود تشابه مع الملكة احمس نفرتارى زوجة الملك أحمس الأول ، وذلك عن طريق ثقب من اماكن غير ظاهرة ولا تسبب ضرر للمومياء ، بالاضافة الى قيام العلماء بمطابقة ” ضرس ” عثر عليه بفك المومياء ، وهذا الضرس كان قد سقط من المومياء نتيجة تدهور حالة الملكة اثر مرض السكر لذا قام المحنطون بوضع الضرس فى صندوق مع كبد واحشاء الملكة .
وأوضح الدكتور حواس أنه بالنسبة للمومياء الخاصة بتحتمس الأول والمعروف أنه والد حتشبسوت ، وتحتمس الثانى زوجها ، وتحتمس الثالث ابن زوجها ، أكتشف ان هناك تشابه بين المومياوتان لتحتمس الثانى والثالث ، اما تقرير الأشعة فأثبت أن المومياء الأولى التى كان يعتقد انها لتحتمس الأول هى ليست له وأتضح انها لشخص بدين يبلغ من العمر 50 عاما وانه يعانى من ضعف بالأسنان بالإضافة الى العديد من الأمراض ومات بسبب ورم خبيث بالبطن او بمضاعفات مرض السكر واثر طعنة سهم .
وتعد مومياء الملكة الشهيرة حتشبسوت حديث العالم أجمع ، وقد توفيت قبل نحو عام 1455 ق.م ” أي منذ نحو 35 قرنا ” ، وتعتبر واحدة من ست ملكات حكمن مصر عبر تاريخها القديم الممتد لأكثر من ثلاثين قرنا.. لكنها تتميز عنهن جميعا بأنها الأقوي والأشهر، وبأنها حكمت مصر في فترة من أزهي عصورها التاريخية، حيث إنها كانت خامس ملوك الأسرة الثامنة عشرة التي تعتبر العصر الذهبي لمصر القديمة وتضم أعظم وأشهر ملوكها.
وبعد وفاة الملك تحتمس الأول تولي عرش مصر ابنه الملك تحتمس الثاني “الذي كان ابنا لزوجة ثانوية” واضطر لتدعيم حقه في العرش أن يتزوج من اخته حتشبسوت ابنة الزوجة الرئيسية للعاهل الراحل تحتمس الأول ، لكن حتشبسوت ” ومعني اسمها .. الأولي في النبيلات ” لم تنجب سوي طفلة أنثي هي “نفرو رع” ، ولهذا بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني تربع علي عرش مصر ابنه الذكر تحتمس الثالث ” وهو أيضا من إحدي الزوجات الثانويات ” والذي كان لا يزال طفلا صغيرا، مما دفع بالأمور لأن تتولي حتشبسوت زوجة أبيه الوصاية علي عرش مصر .
لكن الملكة القوية الطموح لم تلبث أن انفردت بالعرش، وأعلنت نفسها ” ملكا” واتخذت الألقاب والهيئة الذكورية لتدعيم موقفها ، كما أنها استعانت بحيلة كهنوتية قديمة نقشتها علي جدران معبدها بالدير البحري، مفادها أن الإله آمون بذاته قد عاشر والدتها وانجبها ثم اجلسها علي عرش مصر ، وبهذا أصبغت علي نفسها حقا إلهيا وشرعية دينية لتبرير اغتصابها للعرش ، لكل ذلك يمكننا أن نتوقع مسار الأحداث بعد وفاتها وتولي الملك تحتمس الثالث ” الذي اغتصبت حتشبسوت العرش الذي ورثه عن أبيه ” ، فسعي للانتقام من الملكة ودمر آثارها ومحا أسماءها وألقابها، بل إن المصريين في الفترات اللاحقة قد اسقطوا اسم الملكة من قوائم ملوك مصر باعتبارها مغتصبة للعرش .
وقد ظل مصير مومياء الملكة حتشبسوت مجهولا حتي عادت جهود البحث عنها في القرن التاسع عشر الميلادي بالمقبرة 20 بوادي الملوك ، وقام بالعمل فى هذه المقبرة كل من الأثري الشهير بلزوني عام 1824 وتلاه جيمس برنتون ثم أخيرا هوارد كارتر ” مكتشف مقبرة توت عنخ آ
لكن العالم هوارد كارتر – مكتشف مقبرة توت عنخ آمون – تمكن عام 1903 من اكتشاف المقبرة 60 في وادي الملوك في منطقة قريبة من المقبرة السابقة 20 ، حيث عثر بها علي مومياوتين ، إحداهما لامرأة بداخل تابوت يحمل اسم ولقب المرضعة الملكية ، والأخري للملكة التى كانت المومياء الخاصة بها كانت ممددة علي الأرض بدون تابوت ، وفي عام 1908 فتح الأثري “أيرتون” المقبرة نفسها للمرة الثانية وقام بنقل التابوت والمومياء التي بداخله المتحف المصري ، ثم سجلت تحت رقم مؤقت وذلك عام 1916 ، حيث ظلت من وقتها قابعة في الدور الثالث المهجور بدون أدني اهتمام باعتبار أنها مومياء مرضعة حتشبسوت، بينما بقيت المومياء الأخري في المقبرة بالأقصر مجهولة الهوية، حيث سميت بأنها ذات “وضع الملكة” لأنها تتميز بأن أحد أحد ذراعيها كان مضموما علي الصدر .
وفي عام 1989 أعاد الأثري “دونالد ريان” فتح المقبرة 60 للمرة الثالثة لدراستها حيث عثر علي المومياء المتروكة بداخلها، والتي اعتقد عند فحصها أن تخص الملكة حتشبسوت ووصف المومياء ، فيما كانت الباحثة إليزابيت توماس قد أشارت أيضا لاحتمال أن تكون هذه المومياء للملكة حتشبسوت وتم نقلها لهذه المقبرة من مقبرتها الأصلية بواسطة تحتمس الثالث .
وفى النهاية ما زال علماء الآثار يؤكدون ان تحت تراب أرض مصر كنوزا وآثارا وأسرار كثيرة لم يكشف عنها حتى الأن ، وما نعرفه هو 30 فى المائة فقط من حقيقة الفراعنة ، بالاضافة الى أن مخازن المتاحف المصرية مازالت تضم من الكنوز ما لا يتخيله أحد وما يمكن من خلاله عبر الدراسات والأبحاث أن يفك رموز التاريخ المصري القديم .