بعد 7 سنوات من التربع على عرش المقدمة، بدأت «بوينج» في مواجهة مطبات قوية للمحافظة على لقب أكبر شركة في العالم لصناعة الطائرات لصالح «إيرباص»، في وقت تراجع فيه الطلب على طائراتها بنسبة تجاوزت 30% خلال النصف الأول من السنة الحالية، فضلاً عن الحوادث الأخيرة التي أفضت لتوقف طائرة «737 ماكس»، بحسب «وول ستريت جورنال».
وحظر منظمو السلامة الجوية، الطائرة الأفضل مبيعاً بالنسبة للشركة الأميركية، من نقل الركاب لما يقارب 4 أشهر، ما أدى لتراجع المبيعات الجديدة لشركات الطيران، ومن ثم تقلص القيمة السوقية لشركة بوينج بنحو 50 مليار دولار.
وانتشرت حالة الركود التي عانت منها «بوينج» التي عاشت عقداً من الانتعاش غير المسبوق، في قطاع الطيران العالمي. واضطر بعض الموردين، لخفض معدلات الإنتاج وتسريح عدد من العاملين، في الوقت الذي ألغت فيه شركات الطيران آلاف الرحلات ومطالبة الشركة المُصنعة بالتعويض.
وتتوقف ما يزيد على 150 طائرة طراز «737 ماكس»، لم يتم تسليمها، بإيعاز من المنظمين، في مواقع مختلفة حول الولايات المتحدة الأميركية، بجانب طائرة 380. ويجيء هذا الحظر، في أعقاب حادثتي «737 ماكس» في إثيوبيا وإندونيسيا اللتين راح ضحيتهما 346 من المسافرين، ما عرض الشركة لكثير من القضايا.
وللشهر الثالث على التوالي، لم تعلن «بوينج» عن أي طلبيات جديدة من فئة ماكس، بينما تقلصت عمليات التسليم للنصف الأول من العام الجاري إلى 239 طائرة، مقارنة مع 378 في الفترة نفسها من السنة الماضية.
ولا يتوقع المحللون، أن يسمح المنظمون لطائرة «ماكس» بالتحليق في الأجواء مجدداً قبل نهاية شهر سبتمبر، في حين تستمر بوينج في إصلاح نظم التحكم في الطائرة. ويعرض ذلك، شركة بوينج التي تتخذ من مدينة شيكاغو مقراً لها، لتراكم الطلبيات التي سوف لن يتم تسليمها ومن ثم عدم دفع تكلفتها حتى وقت متأخر من عام 2020.
في غضون ذلك، شحنت منافستها الأوروبية «إيرباص»، 389 طائرة خلال شهر يونيو وفي طريقها لتحقيق رقم قياسي خلال العام الحالي، بعد نجاحها في حل جملة من المشاكل المتعلقة بالإنتاج، تتضمن نقصاً في المحركات وقطع داخلية. كما أعلنت الشركة، عن خطط ترمي لرفع معدل الإنتاج لطائرتها الأكثر مبيعاً من طراز أيه 320 نيو، المنافس المباشر لطائرة ماكس المتعثرة. وذكرت «بوينج»، أنها بصدد إعادة «ماكس» لدائرة الخدمة والتصدي لمشاكل الإنتاج فور الفراغ من تلك القضية.
وخاضت «بوينج» و«إيرباص»، حرباً شرسة على مدى العقد الماضي، بهدف حشد أكبر قدر ممكن من طلبيات الطائرات الجديدة، لشركات الطيران سريعة النمو، خاصة الآسيوية منها. وناهز عدد الطلبيات المتراكمة 1.3 ألف طائرة للشركتين، أو ما يعادل إنتاج 7 سنوات لكل شركة على حدة.
ونجحت «بوينج»، في تسليم عدد أكبر من الطائرات في 2012 متفوقة على «إيرباص»، لتستعيد بذلك عرش الصدارة من منافستها الأوروبية بعد 10 أعوام من السيطرة. كما هيمنت الشركة، على تسليم العدد الأكبر من الطائرات الكبيرة مثل «787 دريملاينر» و«777»، اللتين تدران أرباحاً أكثر، مقارنة مع الطائرات ذات الممر الواحد.
ووقفت حادثة «737 ماكس»، عقبة أمام تقدم «بوينج»، ولطخت سمعتها وقادت لجملة من قضايا التعويض من قبل شركات الطيران التي تضررت بفعل توقف الطائرة، بالإضافة لمطالبة أسر ضحايا الكارثتين بالتعويضات.
ويقدر معدل إنتاج «بوينج» حالياً من طائرات «737»، بنحو 42 طائرة في الشهر، بعد خفضه بنحو 20% في أبريل الماضي وتأجيل خططها الخاصة بزيادة الإنتاج. وتشكل الطائرات غير المستلمة، مصدر استنزاف لتدفقات الشركة النقدية، التي كانت تُستغل لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم وتسديد أرباحها للمساهمين.
ويتوقع المحللون، استهلاك «بيونج» لمزيد من السيولة النقدية وزيادة معدل الدين خلال السنة الحالية، ما يزيد الضغوطات على تسليم طائرات «787 دريملاينر» وعمليات صيانة الطائرات ومعدات الدفاع. وفرغت الشركة، من تسليم رقم قياسي في يونيو الماضي قدره 6 طائرات من طراز «دريملاينر»، بعد الزيادة الكبيرة في معدل الإنتاج الشهري إلى 14 طائرة. وفي الوقت نفسه، ربما ينجم عن فقدان طلبيات «737 ماكس»، تراجع في مبيعات الخدمات لشركات الطيران. ويتوقع المحللون أيضاً، خسارة أخرى ناجمة عن خفض إنتاج طائرات «737»، عقب تقلص الأرباح بنحو مليار دولار تم الإعلان عنها في أبريل الماضي.
ووضعت «إيرباص» التي تتخذ من مدينة تولوز الفرنسية مقراً لها، هدفاً يرمي لتسليم 890 طائرة خلال العام الجاري، لتسجل بذلك رقماً قياسياً في قطاع صناعة الطيران. وفي المقابل، تخطط «بوينج» لتسليم 905 طائرات خلال هذه السنة، إلا أنها أرجأت الخطة بسبب أزمة 737 ماكس.
ويتوقع حتى بعد انتهاء المنظمين من قضية «ماكس» والسماح لها بالتحليق مجدداً في الأجواء، ربما يستغرق الأمر أشهراً عدة لإرجاع كل الطائرات المتوقفة للعمل. ويقول المحللون: ربما يتطلب الأمر سنتين قبل أن تتمكن «بوينج» من إعادة ترتيب عمليات تسليم «ماكس». وتشترك الشركتان، في مواجهة بعض التحديات، حيث عملتا على تهدئة وتيرة الشراء لطائراتهما، في ظل التوترات التجارية العالمية القائمة، بين الصين وأميركا على وجه الخصوص، أكبر سوقين لشراء الطائرات. ومجموع الطلبيات والالتزامات التي تم الإعلان عنها في معرض باريس للطيران بنحو 560 طائرة، هي الأدنى منذ عام 2009.
وقللت «إياتا» في يونيو الماضي، من نظرتها المستقبلية لأرباح قطاع الطيران السنوية، بنسبة قدرها 21% إلى 28 مليار دولار، في الوقت الذي حققت فيه شركات الطيران مجتمعة، أرباحاً بنحو 30 مليار دولار خلال العام المنصرم.
في غضون ذلك، تخطط اثنتان من شركات الطيران الإندونيسية، لإلغاء طلبيات من طائرات «ماكس». واستقبلت «إيرباص» 88 طلبية خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة مع 261 للفترة نفسها العام الماضي، في إشارة أخرى لضعف الطلب عموماً. وانخفضت أسهم «بوينج»، بنحو 18% منذ ارتفاعها في مارس الماضي، قبيل وقوع كارثة الطائرة الإثيوبية في ذات الشهر، بينما يتم تداول أسهم «إيرباص» بأرقام قياسية، محققة ارتفاعاً قدره 47% خلال العام الجاري.
نقلا عن جريدة الاتحاد