اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

«شارع الممشى» على حدود حي العرب في تايلاند: سياحة وعلاج وعالقون من دون رجعة

«شارع الممشى» على حدود حي العرب في تايلاند: سياحة وعلاج وعالقون من دون رجعة

بتايا " المسلة " … شارع واحد على امتداد مئات الأمتار في مربع ضيق لا يزيد عن الكيلومتر مربع، يحوي كل تناقضات العالم، وتمتد إليه ومنه هواجس وهموم الناس، لتصب في محيطه وسط رواده، ويستقبل زوارا كثرين من مختلف الأجناس، يحجون إليه من كل صوب، ولكل قصته وهدفه ومراده، والسبيل التي ألقت ببعضهم هناك وعلقوا فيه في «الوالكينغ ستريت» أو شارع الممشى، أو «جهنم» مثلما يطلق عليها العرب أحد عشاق مدينة «بتايا» جنوب تايلاند.

لن تجد شارعا ضيقا في العالم يشهد زوارا بكثافة «الوالكينغ ستريت»، ولا زخم لأي مكان مثلما ناله هذا الحي من نصيب من لدن المسافرين والرحل، عبر سنوات طويلة من عمره حصد فيها عدة ألقاب ومسميات أطلقها عليها ملايين الزوار، وحقق صيتا في كل المواقع. إذا كان لمملكة تايلاند الواقعة جنوب شرق آسيا والمشهورة بمستشفياتها التي تحقق تقدما علميا مزدهرا، وبسياحتها المتعددة الجوانب، روح فإنها في مدينة «باتايا» جنوبها، وإذا كان للأخيرة قلب فإنه في هذا الشارع «الوالكنيغ ستريت» النابض بالحياة. تتفاعل هنا ظواهر عدة، تزيدها حركة مسافرين يذوبون في دروبه، ويتموهون في أزقته الضيقة بسرعة، ويغرقون تحت أشعة شمس المدينة جنوبا على رمال ذهبية ساحرة. عائلات وعزاب وعازبات، مجموعات سياحية وأفراد، شباب وكهول وشيوخ في خريف العمر يتماوجون في مسار واحد، ذهابا وإيابا على امتداد صفوف من واجهات المحلات، والعيادات الطبية، ومصحات العلاج الطبيعي تقع إلى جانب الملاهي الليلية والحانات والمطاعم بمختلف أنواعها والمقاهي المختلفة الأذواق.

 

ولهم فيها مآرب أخرى

 

الأحياء أو الشوارع العربية في العالم معروفة وهي تتركز في بعض المدن القليلة على غرار لندن وباريس وغيرها، لكنها في تايلاند تأخذ بعدا أكبر بوجود حي كامل لهم في عاصمة البلاد بانكوك، والمحلات مكتوبة بأحرف عربية وتحمل لافتات عدة لأسماء مواطني عدة دول. وفي باتايا يتجمع العرب في حيهم المفضل جنب شارع الممشى، ليكون خاصرته الصباحية يقضون فيه أوقاتهم ظهراـ ويستريحون فيه عصرا، قبل أن ينطلقوا مساء في مغامراتهم. تعقد على طاولات متناثرة في الشارع صفقاتهم التي من أجلها جاؤوا، أما الذين يتعالجون هناك فتتوزع أوقاتهم بين العيادات والمصحات وزيارة الأحباب. ويتجمع الكثير من الخليجيين بشكل كبير بالقرب من فندق «فيسي» المعروف والذي لا يقل شهرة عن منافسه فندق «غريس» بالنسبة للشباب. الكثير من المطاعم العربية فتحت أبوابها منذ عشرات السنين للوافدين بعد أن تزايد إقبال السياح المسلمين على المدينة، وهناك الكثير منها، مثل «مطعم أبو عبدالله» ومطعم أبو سارة. وتعد مقاهي الشيشة (الأرجيلة) الرديف الثاني للمطاعم التي تكثر بشكل مستمر حيث يتردد العرب، وهي محطات للالتقاء الشبابي والعائلي، يتجمعون فرادى ومجموعات، ويتبادلون أحاديث البلد ويتقاسمون هموم الأوطان. وتعقد بعض الصفقات بين المندوبين العاملين في تايلاند، والسماسرة وأصحاب الأعمال حول التجارة. تتعدد الروايات والقصص للشباب العربي الذين قابلنا بعضهم في مقهى غير بعيد عن الشارع، وكانوا يتحدثون بحماس عن رحلتهم التي يعتبرونها الأجمل في كل ما شاهدوه من مناطق في العالم.

هنا يشعرون أنهم على طبيعتهم وعلى سجيتهم وبعيدا عن أي ضغط أو قيد مفروض أو عقدة من الناس، وكل له مراده. وتختلف الدوافع في القدوم إلى هذه المدينة جنوب البلاد التي تتمتع بحكم ذاتي من شخص للأخر بالنسبة للوافدين العرب، فمنهم من يقضي فترة زيارته في المستشفى الملكي الموجود في قلب المدينة يعالج من ورم أو من علة، ويتابع فحوصاته الطبية، خصوصا وأن الرعاية هنا رخيصة ولا تكلف الكثير سواء بالنسبة للمبتعثين الحكوميين أو الذين يأتون على حسابهم الخاص. ويؤكد أبو طلال أنه يأتي لمعالجة ابنه الذي يعاني من تمزق غضروفي في ركبته بسبب حادث رياضي تعرض له. وهناك من يأتي لتغيير الأجواء هاربا من روتين الحياة في «ديرته».

 

ضحايا قرار حكومي

 

بالرغم من قرار سعودي سابق (بسبب أزمة ديبلوماسية بين البلدين) بمنع سفر رعاياها إلى تايلاند صدر قبل أكثر من عشرين عاما إلا أن الشباب فكوا الحظر بأنفسهم، وتجد الكثير منهم يفدون إلى البلد بطرق غير مباشرة لتجاوز القرار الذي تضمن عقوبات مادية وردعية تصل حد المنع من السفر لمدة طويلة. ويؤكد الشاب حمزة الآتي من الرياض أنه اضطر للسفر أولا إلى مملكة البحرين ومن هناك استقل طائرة متوجهة إلى بانكوك، ودفع مبلغا مرتفعا لضابط الجوازات التايلاندي حتى لا يختم له بالدخول. ويؤكد أن رفقاء له سبقوه في رحلتهم هذه وهم دائمو التردد على المكان الذي يجدون فيه راحتهم ويفكون فيه قليلا من القيود المفروضة عليهم، ومنهم من يسافر للمرة العاشرة. وبعض أصدقائه يأتون إلى هنا كل 3 أشهر.

 

حياة صاخبة

 

أغلب الوافدين العرب وزوار باتايا بعد انتهاء مصالحهم وانقضاء شؤونهم من تبضع أو علاج، تكون وجهتهم المفضلة مساء شارع الممشى الذي يغلق أبوابه أمام السيارات ويمنع دخول الدراجات ويخصص فقط للراجلين. وتتقاذف فيه جموع بشرية من كل مكان، تسير على خطى متسارعة أو ببطء، أو تقف للحظات تسترق السمع أو النظر لمحل أو واجهة تعرض الجماد والمتحرك وتثير الأبصار.

اشتهر الشارع بأنواع من محلات السهر من حانات ومطاعم تقدم مختلف الأطباق العالمية، ومن محلات go go»» والمراقص ذات الايقاعات المتعددة من العربية والمغربية تحديدا، والإيرانية إلى التايلاندية والأوروبية خصوصا البريطانية والايرلندية، والأمريكية. وتبقى الروسية لها حصة الأسد من هذه الأماكن المشهورة لوجود عدد كبير من القادمين من بلاد الدب الأبيض التي تعاني من قساوة مناخها وثلجها على مدار أيام السنة، مما يدفع بأهله جنوبا نحو دفء شمس منبسطة على شواطئ لازوردية. وبالرغم من أن القانون التايلندي يجرّم الدعارة إلا أنها ظاهرة واضحة في كل مكان تتم في صمت من دون أي ضجيج أو مشاكل، وهي عبارة عن معاملات تجارية تعقد في هدوء بين زبون راغب في متعة، ومقدم الخدمة ولها بورصة ترتفع صعودا ونزولا على حسب مواسم السياح ومدى إقبال الوافدين خصوصا الذين يدفعون بشكل جيد مما يجعل التعريفة ترتفع.

 

شرطة سياحية

 

على امتداد الشارع ينتشر رجال شرطة بزي خاص يحمون السياح من أي حادث ويؤمنون سلامتهم من أي خطر قد يتعرضون له وفي الوقت نفسه يحلون الخلافات التي تنشب بينهم وبين باعة مختلف البضائع والخدمات المقدمة بأنواعها. السياحة تشكل دخلا هاما لهذا البلد الذي طور من اقتصاده بالاستفادة من الإمكانيات الطبيعية التي يتمتع بها، مما وفر له بيئة جذب تساهم في تحفيز المغامرين من كل مكان في العالم للاستثمار في هذا القطاع الحيوي الذي يشهد نموا، ولم يتأثر لا بالأزمات السياسية التي تعرضت لها المملكة، ولا بالكوارث الطبيعية التي تشهدها باستمرار، خصوصا إعصار تسونامي الذي مر من هناك وترك آثاره لفترة في نفوس الناس وعلى المناطق التي تحتفظ بذكريات من فقد لهم أثر.

 

الأزمة المالية الأوروبية

 

ألقت الأزمة المالية التي ضربت منذ سنة 2008 دولا عدة بظلالها على الكثير من الوافدين إلى شارع الممشى حيث ترك الكثيرون بلدانهم وجربوا حظهم في العمل هنا، كسبا للرزق ولانخفاض المستوى المعيشي مقارنة بدولهم التي تاهت وسط تلابيب الأزمة. وتؤكد فنيسا وهي يونانية في الثلاثين من عمرها وتشرف على الحسابات في مركز علاج طبيعي في الحي، أنها اضطرت أن تترك ابنتها لدى والدتها في أثينا بعد أن فقدت عملها في مصرف يوناني أشهر إفلاسه بسبب الأزمة ولم تجد فرصة عمل في مؤسسة أخرى بسبب الركود الاقتصادي. اضطرت المرأة الشابة أن تقبل بوظيفة عرضتها عليها صديقة لها تعرف صاحب المشروع، وهو ألماني يقيم في تايلاند منذ 30 سنة وأسس له شبكة من محلات العلاج الطبيعي والمساج بمختلف أنواعه الذي ذاع صيته في المملكة لتنقذ نفسها من شبح الإفلاس الذي أغرق الجميع. وترسل الفتاة اليونانية التي أجّرت لها شقة بالقرب من الشارع وتستمتع هناك بحياة هادئة مصروفا لأسرتها، لإعالة ابنتها وتسديد أقساط شقة اشترتها وعرضتها قبل مجيئها للبيع لكن لم تحصل على سعر عادل حتى قررت الهجرة لأجل استعادة نفسها وتعديل ميزانيتها التي اضطربت بسبب الأزمة المالية.

وفي مطعم فرنسي على واجهة البحر، كانت ستفياني وهي شابة إسبانية في الخامسة والعشرين من عمرها تعمل مشرفة على جناح المشروبات، في مطعم افتتحه منذ سنوات صديق لوالدها. وتؤكد أنها أسعدت حينما قدمت إلى تايلاند قبل 5 سنوات خصوصا وأنها فقدت عملها في مجمع تجاري بسبب تراجع مداخيله وعجزها عن تسديد فواتيرها، وضمان مصروفها اليومي.

وتخطط الشابة إلى قضاء فترة طويلة في هذا المكان، وهي سعيدة بعملها وبالأجواء الجميلة التي تقضـيها رفقة أصدقاء لها قدموا جميعا من دول أوروبية عدة يجمعهم غالبا رابط واحد هو أنهم ضحايا الأزمة المالية العاصفة التي خلفت وراءها كوارث وأضرت بأناس كثر.

 

طبيبة في الشارع

 

على امتداد خمسمئة متر هو طول «الوالكينغ ستريت» كثيرا ما تلحظ أناسا يمرون ذهابا وإيابا لأكثر من مرة، ويقفون عند تجمعات بشرية متلاطمة ساعات الذروة التي يصل فيها عدد رواد المكان عشرات الآلاف دفعة واحدة. على ناصية محل تجاري كانت سوزان توزع بطاقات عمل على زبائن تختارهم بعناية، وتغادر نحو مجموعة أخرى في حركة دؤوبة. اقتربت منها لأستفسر منها عن سر توزيعها لبطاقات الزيارة على أناس طيلة ساعات الليلة. كشفت الشابة الثلاثينية التي تتمتع بقوام جميل، أنها تحاول الحصول على عمل مع رجال الأعمال كمرافقة شخصية، ومساعد خاصة، وهي تمتلك ميزة تحدث عدة لغات بطلاقة مثل الروسية والانكليزية، والفرنسية، وبعضا من العربية وكذلك اللغة المحلية التي أجادتها بسرعة شديدة. مكنت هذه المؤهلات الفتاة من التواصل مع فئات مختلفة وعملت دليلة سياحية وقدمت خدمات عدة لزبائن من طبقة مرهفة. وتؤكد القادمة من أوزبكستان والتي ذهلت حينما وجدت في إحدى البطاقات التي توزعها على المارة اقتران «دكتورة» مع اسمها، أنها تركت كل ذلك في بلادها بعدما لم تعد تسد حاجياتها وهي التي تعيل أسرتها منذ هجرها زوجها، فكان ذلك الخيار حلا سهلا لها للخروج من الضائقة.

 

عالقون في ممر الشارع

 

هم كثر يتوزعون على الممر الضيق والممتد على مئات الأمتار والصاخب، وعلى امتداد الشوارع المحيطة به، عالقون في «جهنم» مثلما يسميها العرب، قدموا إلى هنا لدوافع عدة. ظلوا لفترة طويلة وبعضهم لسنوات عدة لم يتمكنوا من المغادرة وجلهم لم يحققوا أي شيء في حياتهم، يعيشون يومهم وكفى، من دون تحقيق دخل كاف لعدم حصولهم على دخل ثابت يعادل ثمن الهجرة القسرية التي جعلتهم يظلون مدة طويلة هنا. الكثير من هؤلاء العالقين في هذه المدينة لا يعرفون السبب الذي جعلهم يقعون أسرى هذا الواقع بعضهم متصالح به وأكثرهم يعبرون عن تلك التعاسة حينما يستيقظون صباحا في غرف شقق سيئة وقذرة يقضون فيها لياليهم البائسة. ويؤكد عماد وهو شاب سوداني قدم من كندا منذ 5 سنوات أنه جاء إلى هنا في زيارة سياحية فأغرم بالمكان وتآلف معه، ومدد زيارته فترة طويلة بعدما سئم من الأجواء. ولعدم تحقيقه دخلا معقولا في القارة الأمريكية أقدم على تلك المغامرة في هذه الأرض التي رآها أول مرة ساحرة وتسلب الألباب. بعد فترة غرام استمرت أشهرا وجد الأربعيني نفسه عالقا في هذا الحي، لا هو قادر على مغادرته، ولا عازم على تركه، ولا يمكنه العودة خاوي الوفاض إلى مكان لم يعد بوسعه التأقلم معه مجددا.

ويعيش محدثنا من مرافقة السياح والعمل لديهم كدليل مقابل مبالغ زهيدة ومرات لا تتعدى مجرد دفع ثمن عشاء في أحد المطاعم. وكان برفقة عماد مجموعة من الشباب العربي ينحدرون من المغرب والجزائر ومصر والأردن كانوا يتجولون قرب الحي العربي للظفر بسياح جدد لعرض خدماتهم ومرافقتهم خصوصا للذين يأتون للعلاج والتجارة للتفاوض مع السكان المحليين الذين لا يتقن كثيرون منهم الإنكليزية، بينما من جاء لأجل المتعة فهو لا يحتاج لدليل يضحك عماد مع رفقائه قبل أن يغادر حتى لا يفوته قطار الليل.

 

بحثا عن الرفقة

 

ساهمت الأجواء الجميلة التي تميز باتايا والطبيعة الخلابة التي تحيطها مع شمس النهار الدافئة والساطعة على امتداد أيام السنة، مع وجود أناس كثر من عدة دول زادوها حيوية وعززوا من نبض الحياة فيها في تحفيز الكثيرين إلى الاستقرار فيها. تتوزع الدوافع في البحث عن الهدوء والسكينة والاستقرار والطمأنينة أو الحصول على رفقة تخرج بعضهم من روح الكآبة التي سيطرت عليهم في بلدانهم، بسبب كبرهم في العمر وافتراق من حولهم. ويتحدث جوي القادم من نورث كاورلاينا الأمريكية عن قصة مجيئه إلى هذه الأرض القصية منذ ثلاث سنوات بعدما باع منزله، ليشتري فيلا مطلة على البحر، ويستقر نهائيا في هذه البقعة على بعد عشرات آلاف الأميال من بلاده. ويؤكد أنه منذ توفيت زوجته واستقل أولاده الواحد تلو الآخر بحياتهم، وجد نفسه وحيدا، والكآبة مرافقة له. ويذكر لي أنه قضى الكثير من المناسبات والأعياد لوحده من دون أي فرد من عائلته المنشغلين بظروفهم وأحوالهم. وتتعدد قصص وروايات المستقرين في هذه المدينة وعلى عتبة شارع «الوالكينغ ستريت» الذي أصبح شريان حياتهم، مستفيدين من التسهيلات التي تقدمها الدولة لتملك الأجانب. تباع وحدات سكنية بأسعار أقل بكثير من الدول الأخرى، مع وجود أجواء جميلة توفرها للباحثين عن الرفقة والمتعة والأنس بعيدا عن الوحدة التي سيطرت على بعضهم فترة طويلة، مع وجود وسائل جذب سياحي متعددة ومتنوعة.

عندما يغادر المسافر شارع الممشى مستقلا إحدى وسائل النقل الزهيدة بعد ما تجول في أرجاء المدينة تبقى راسخة في ذاكرته تلك الصور والوجوه الكالحة لفقراء يكدون نهارهم وليلهم للحصول على لقمة عيش مع ملامح أجنبية مستمتعة بأوقاتها وتعيش تجارب متعددة تختلف حسب مقصد الزائر لمدينة باتايا حيث كل شيء فيها متاح.

القدس العربي

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled