Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

طنجة .. سفر عبر التاريخ في رحاب ملهمة أدباء وفناني العالم

طنجة .. سفر عبر التاريخ في رحاب ملهمة أدباء وفناني العالم

طنجة " المسلة " … لم تحظ أية حاضرة مغربية بشهرة عالمية بين أدباء وفناني العالم المعاصر كالشهرة التي نالتها مدينة طنجة في أوج إشعاعها كعاصمة دولية للدبلوماسية ومكان لالتقاء ثقافة الغرب بسحر الشرق، طنجة منبع إلهام بسط سطوته وسحره على كبار المبدعين من كل بقاع المعمور. طنجة، "المدينة الحلم" ، كما وصفها الكاتب الأمريكي وعراب الأدباء العالميين المولعين بطنجة بول بولز، ظلت في مكان أثير لدى مجموعة من المبدعين العالميين من مختلف المشارب، أدباء وشعراء، وقبلهم رسامون، وجدوا في الحواري والأسواق الشعبية وحيطان المنازل وملامح القاطنين وتضاريس البوغاز وروح الانفتاح، التي تطبع هذه المدينة الدولية ، باعثا على الإبداع والإمتاع.

 

لا يمكن للمسافر في التاريخ الثقافي لمدينة طنجة، وإن كان عريقا ويعود إلى ما قبل الفينيقيين وينهل من أساطير الإغريق والرومان، إلا أن يتوقف في سنة 1832 بمقدم الرسام الفرنسي أوجين دولاكروا على متن باخرة رست بالضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، وحينها اكتشف الرسام بعين المبدع حجم الاختلاف بين وطنه فرنسا وبين طنجة، بوابة إفريقيا.

 

ووقع دولاكروا تحت سحر طنجة ومن بعدها مكناس وفاس، إذ كتب في أول بطاقة بريدية بعث بها إلى أحد أصدقائه بفرنسا "جئت أبحث عن مواقع الشمس، هنا رجال بعمائم وأزياء تذكرك بالقناصلة القدماء"، هذا السحر ترجمته ريشة المبدع إلى لوحات خالدة ما زالت تحتل مكانة متميزة في أعرق وأشهر المتاحف العالمية.

 

سنوات بعد ذلك، لم يفلت مواطنه هنري ماتيس من الوقوع في شراك سحر طنجة الآسرة التي زارها أوائل القرن العشرين. فمن نافذة الغرفة 35 بفندق "فيلا دو فرونس" العريق، التي كان دائم الإقامة بها كلما حل بطنجة، أبدعت ريشة ماتيس سلسلة من أشهر اللوحات التي منحته مكانة الريادة في المدرسة "الوحشية" التي تحتفي بالألوان الصارخة تزين أشكال عامة متجنبة الخوض في تفاصيل المشهد، لقد كان ماتيس يرى في طنجة "جنة الرسام" و"مرآة مفتوحة على العالم". وانطلاقا من لوحاته بمختلف حارات طنجة، والتي تفوق العشرين، هيئ مدار سياحي بالمدينة العتيقة يحمل اسم "مدار ماتيس".

 

ويرى المدير السابق لرواق محمد الدريسي للفن المعاصر رشيد أمحجور، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن ضوء طنجة كان العامل الأساسي الذي جذب كبار الرسامين العالميين، معتبرا أن "للشمس هنا انفتاحات متعددة، حينما تكون في البوغاز يتدفق الضوء آتيا من المتوسط، لكن في المساء يأتي النور من الأطلسي، الرسام قد يتابع رحلة الضوء طيلة النهار مع ميزة وجود مرآة البحر على جانبي المدينة، فيطلع الضوء بقوة تارة وبسحره تارة أخرى حسب قوة الشمس وموقعها".

 

"جنة الرسام"، كما وصفها ماتيس المبهور بجمالها الأخاذ، كانت حاضرة يحج إليها مجموعة من أشهر التشكيليين العالميين بحثا عن إلهام خفي أو استشراق غرائبي يكمن على مرمى حجر من أوربا وبمدخل البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارات. طنجة، مدينة البحرين، كانت محجا لمبدعين اختار العديد منهم الإقامة بأزقتها الضيقة ومنازلها البيضاء الناصعة المطلة على البحر، وبين سكانها مسلمين ومسيحين ويهود، في تآلف وتسامح عز نظيره في أشهر مدن العالم خلال القرن 20. هذا العشق المتبادل بين المبدع وطنجة، مبدع منح حياته للمدينة التي بادلته إلهاما وشهرة، هو الحب الذي لخصه الكاتب المغربي الراحل محمد شكري حين قال "يبدو أنني تزوجت طنجة"، وهو الذي جاء إلى عروس البوغاز طفلا شريدا وتوفي بها أديبا عالميا ترجمت مؤلفاته إلى حوالي 40 لغة، لقد كان يسكن طنجة وطنجة تسكنه.

 

ويبقى أشهر من وقع في سحر طنجة "آسرة الأدباء" الكاتب الأمريكي بولز بولز وزوجته جين بولز، إلى جانب ثلة من الكتاب والموسيقيين لعل أبرزهم وليام بوروز، آلان غينسبرغ، برين غسين، تينيسي وليامز، جون هوبكنز وجان جينيه وغيرهم ممن اتخذوا طنجة فضاء للكتابة والسرد أو موضوعا للنصوص الروائية.

 

وقال جون هوبكنز، صاحب كتاب "يوميات طنجة" (طنجة دياريز)، ذات إقرار بعشق خفي لهذه المدينة، "لاحظت أن هناك العديد من الفنانين والكتاب والسينمائيين شدوا الرحال إلى طنجة .. لو كنت أقطن في نيويورك ذاتها لما سنحت لي فرصة التعرف على كل هؤلاء كما هو الحال هنا في طنجة".

 

ولعل أبرز ما جذب هذا الكم الهائل من الأدباء إلى طنجة هو قيام المدينة على بحر من التناقضات تجعل الزائر يعيش عالمين في مكان واحد، ينتقل بين مجتمعين فوق تراب واحد، مدينة متطلعة إلى حضارة الغرب لكنها فخورة بتقاليد وجذور الشرق، مدينة كانت تختفي فيها الحدود لتصبح دولية بامتياز.

 

ويعزو رئيس المنتدى الثقافي لطنجة أحمد الفتوح، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، هذا السحر إلى كون طنجة "مدينة التعايش والتساكن، ملجأ الغرباء والمغتربين، أغنياء وفقراء، لاجئين سياسيين واقتصاديين وثقافيين، مرفأ الحرية التي لم يجدها كثير من المثقفين في بلدانهم"، معتبرا أن "طنجة كطائر الفينيق الأسطوري، ستنبعث من رمادها مجددا لاستعادة مجدها الثقافي".

 

واعتبر الأمريكي وليام بوروز، الذي زار طنجة لأول مرة عام 1952، أن بطنجة "الحرية المطلقة، تقريبا، مدينة افعل ما يحلو لك، أنت حر، أنت في مكان يمنحك كل شيء أكثر مما لو كنت في بلدك الأصلي"، لقد فكت الأشهر التي أقامها بوروز بطنجة قيود خياله ليبحر في عوالم الإبداع بعد عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويصدر رواية "الغذاء العاري" التي فتحت له باب الشهرة في أوساط تيار "البوهيميين" خلال ستينات القرن الماضي.

 

أما المفكر الإسباني خوان غيوتيصولو، فيقول في مقالاته المترجمة إلى اللغة العربية بعنوان "علامات هوية" إن "طنجة لغز (…) مدينة اجتذبت خلال القرنين الماضيين الأنظار الفضولية والمتلهفة لحلقة من الرسامين والروائيين والسينمائيين والشعراء الذين قدموا من مختلف أصقاع الأرض"، غويتيصولو كان آخر الملتحقين بركب أسرى طنجة وهو الذي تعرف على تفاصيلها عبر مرافقته لمحمد شكري قبل أن تحمل المكتبة الإسبانية اسمه وهو الذي اختار العيش متنقلا بين طنجة ومراكش.

 

ويبقى الكاتب المغربي محمد شكري ذاكرة للأدباء والكتاب الذين سرقت طنجة بسحرها مددا متفاوتة من أعمارهم، قد تكون قصيرة أو طويلة، لكنها بالتأكيد كانت كافية لتؤثر فيهم وتتأثر بهم، وقد كتب شكري في هذا الصدد ثلاثة مؤلفات مهمة تحكي تفاصيل حياة كل من جان جينيه وتينيسي وليامز وبول بولز بطنجة، كشف فيها جوانب ظلت خفية من حياة هؤلاء وعلاقاتهم الأكثر حميمية مع الناس والزمان والمكان، إنها طنجة التي تختصر كل الحضارات الإنسانية.

 

وهاهي طنجة اليوم تضرب موعدا مع المستقبل لاستعادة مجد ثقافي غابر، بفضل المشاريع الملكية المتعددة التي رأت النور بالمنطقة منذ سنة 1999، بحيث صارت لطنجة الكبرى صورة الحاضرة المتوسطية التي ترتكز على تاريخ عريق وغني لكنها تتطلع إلى مستقبل تكون فيها أكبر حضورا على المشهد الدولي اقتصاديا بفضل مشاريعها المهيكلة، وسياسيا بفضل منتدياتها وملتقياتها الدولية، وسياحيا وثقافيا باستعادتها لإشعاع أدبي وسينمائي وموسيقي تعززه مهرجانات دولية ووطنية تنظم تحت رعاية الملك محمد السادس.
 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله