Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

التكايا.. فنادق للتعبد والراحة بلا مقابل

عرفت «التكايا» وقبلها «الخانقاه» و«الزاوية» مع رسوخ الإسلام وانتشاره في العديد من البلدان خارج المنطقة العربية وداخلها، ومن ثم راجت مع الرواج الاقتصادي والتجاري بين تلك البلدان، وأصبحت جزءاً مهماً في النشاطات البشرية، سواء في الدعوة إلى الدين الجديد، أو في تهيئة سبل الحياة المناسبة للتجار، فضلاً عن توظيف نسبة كبيرة منها في إيواء المتصوفة وضيوف الرحمن العابرين للسبيل.

لم تكن تتميز مباني «التكايا» في بداياتها بما وصلت إليه وتشكلت به من فنون العمارة والتأسيس، وفقط شيدت لتحقيق الأهداف المرجوة منها، وتوفير أماكن النوم المناسبة، وأماكن إعداد الطعام والخبز والطهي، وأماكن تخزين البضائع التي يحملها المسافرون، مع توافر العنصر البشرى القائم على خدمة الرواد. إلا أنها ارتبطت بتطور فنون العمارة، وأصبحت تعد من إنجازات السلاطين والحكام كمبنى متميز، والآن يعتبر بعضها معلما سياحيا ومزارات تهتم بالترويج لها المؤسسات السياحية.

عرفت أوروبا فكرة التكية، ولعل أشهرها إلى اليوم، رغم كل وسائل التقدم التي ربما يقال إنها كفيلة بالاستغناء عنها أو بإلغائها، وهي تكية ممر سانت برنارد (وهو ممر جبلي في جبال الألب) أسسها «سانت برنارد» في القرن الحادي عشر، من أجل توفير مكان لراحة المسافرين، وربما إسعاف المصابين في الجبال. ويبدو لمن يتابع تاريخ فنون «الفندقة» أن تلك التكايا لم تكن سوى البذور الأولى لفكرة الفندق، من حيث الهدف من الإنشاء وشكل الخدمة المقدمة.

أصل الكلمة :

التكية كلمة تركية تعني «الاتكاء» أو الاستناد إلى حاشية أو مسند مريح بهدف الاسترخاء والراحة، وراجت في عصر العثمانيين، بينما كلمة التكية بالفارسية تعنى جلد الماشية والغنم، ويرى المستشرق الفرنسي كلمان هوار أن أصل التكايا من بلاد الفرس.

ويستدل على ذلك بأن المتصوفة كانوا يحملون الجلد كشعار لهم والتعريف بهم. ومن الأسماء التي أطلقت عليها ما اتفق عليه أنها التكية: الخانقاه والزاوية وخان المولوية. وقد شاع استخدام اسم التكية عند العثمانيين، وكانت تطلق على ثلاثة أشياء: مقام أو مزار أحد الأولياء، وزاوية أو خانقاه يقيم فيها الدراويش والصوفية، وخان أو نُزُل لراحة الحجاج والمسافرين.

ومن المعروف أن الطريقة الصوفية المولوية تبنتها الدولة العثمانية، وإن كانت شائعة في بعض البلدان العربية، وهي التي أسسها الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي في قونية في بلاد الأناضول، وهي طريقة دراويش تمتاز برقص دائري مشهور وموسيقى.

أما «الخانكاه» فهو مكان ينقطع فيه المتصوف للعبادة، وإن جمع بين المسجد والمدرسة ثم غرف يختلي أو ينقطع فيها المتصوف للعبادة والتي عرفت في العمارة الإسلامية باسم الخلاوي. وقد راجت في مصر في العصر المملوكي، لكنها أطلقت على مجموعات من المنشآت الدينية للسلاطين (مثل خانقاه السلطان بيبرس المتضمن مسجد الأشرف برسباي وضريحه بقرافة المماليك). أما الربط، فهو ما أطلق على ما يسمى «بيت المجاهدين»، لكن الصوفيين، استعملوا الكلمة فيما بعد بمعنى الخانقاه، على أساس أنهم كانوا يخوضون جهادا روحيا.

وقد أسست أول الربط العسكرية في فلسطين، في القرن الثاني للهجرة، وقلت أهميتها بعد القرن الثالث عندما استتب الأمر بالمسلمين. ثم عادت بقوة بعد الحروب الصليبية، فأنشئ الكثير منها في القرن السابع الهجري وما تلاه ، كأبراج للمراقبة. ولم تكن الربط كلها عسكرية، بل كان الهدف الأساسي منها، توفير أماكن لإقامة الزوار والحجاج. وكانت الربط مكان مأوى ومأكل للوافدين إليها بالتعليم الديني، فيصبحون جنودا محاربين وقت الضرورة للجهاد. وفي العصر العثماني أصبح كثير من الربط ملاجئ للفقراء من نساء ورجال يقدم لهم فيها الطعام وتصرف المساعدات المختلفة.

وفي حين كان الصوفية يقيمون في الخوانق بصورة دائمة، كان زوار الربط يقيمون فيها لمدد قصيرة، غير أن التمييز بين الخوانق والربط لم يكن متيسرا في كثير من الأحيان. وأشهر ربط القدس سبعة هي: رباط البصير، والرباط المنصوري، ورباط الكرد، ورباط المارديني. والرباط الزمني، ورباط بايرام، والرباط الحموي.

وقفة تاريخية :

وفق رؤية البعض حول تاريخ التكية أنها القاعدة المعنوية الثانية بعد المسجد لدى المسلمين وخاصة الشيعة، وهو الموضع الذي يقيمون فيه شعائر الحزن والمآتم على سيد الشهداء وأنصاره الأوفياء. ولقد امتزج مفهوم التكية مع العزاء والتعزية، حتى لم يعد بالإمكان فصلهما عن بعضهما، ويشير النص أنّ التكية هي الموضع المخصص لإقامة العزاء على الحسين.

ثم أصبحت منذ عهد ناصر الدين شاه فما تلاه موضعا لإجراء العروض الدينية بشكل رسمي، وفي أغلب التكايا يضربون خيمة كبيرة لتصبح بمثابة السقف لها. وينشرون فيها أقمشة سوداء عليها أشعار في رثاء الشهداء. ويعلقون في مكان بارز منها لافتة تحمل اسم التكية وعلامتها وشكلها الخاص. ولكل تكية علمها الذي يميزها عن سائر التكايا.

أنماط معمارية

ارتبطت التكية منذ أن كانت باحة كبيرة أو صغيرة تشيد عند مفترق طرق المسافرين، وعند المزارات الدينية، وارتبطت بما انتهت إليه بتطور فنون العمارة، وبالمتغيرات الفكرية نحو توظيف هذه التكايا، وإجمالا تضمنت التكية قاعة داخلية واسعة، وهي المخصصة للاستقبال والتوديع.

والسمعخانة، وهي قاعة تستخدم للذكر، والصلاة والرقص الصوفي الدائري، وفي بعض أنواع التكايا مثل تكية المولوية. كما تضم غرفا للمريدين، وهي الغرف التي ينام بها الدراويش، وغالبا للتعبد والوحدة والتأمل، وغرفة استقبال، وهي الغرف المخصصة لاستقبال العامة من القادمين.

وقسم الحريم، وهو مخصص لعائلات الدراويش. وقاعة الطعام، حيث تتضمن المطبخ، وغالبا ما يتم تناول الطعام جماعيا. وتقام أكثر التكايا على المعابر وطرق تردد المارة، ولها مدخلان تمر منهما القوافل، وقد أضيف إلى بعضها في كل تكية موضع لماء الشرب يسمى «سقّا خانة». وفي العصور المتأخرة (في العراق) صارت تبنى إلى جانب التكايا أماكن باسم «الحسينية» و«الزينبية»، أو أن التكية تبدل اسمها إلى «الحسينية».

من أشهر التكايا :

من أشهر التكايا التكيـــة الســليمانية، وتعد من أهم الآثار العثمانية في دمشق، وسميت بالسليمانية نسبة إلى السلطان سليمان القانوني. وتعتبر من أهم المعالم السياحية الآن، وقيل إن مهندس «سنان باشا» قد جال في الشرق والغرب ليطلع على الطرز المعمارية، وابتكر طرازاً خاصاً في البناء دعي الطراز العثماني. ويتميز بناء التكية السليمانية بقبابه المتعددة والمحيطة بها من عدة جوانب، وتبرز مئذنتان نحيلتان تشبهان مسلّتين لشدة نحولهما، وهو طراز معماري لم يكن مألوفاً في دمشق.

إضافة إلى التكية المولوية، وهي مكان استعمله المولويون لإعاشة الدراويش أو المريدين المولويين. في الأساس، أُنشأت التكايا من قبل العثمانيين لرعاية من لا عائل لهم، والذين لا يقدرون على الكسب، والعجزة، وكبار السن المنقطعين، والأرامل من النساء اللائي لا يستطعن ضرباً في الأرض، إلى جانب الفقراء والغرباء وعابري السبيل الذين لا يجدون لهم مأوى في البلاد التي يمرون بها، وخاصة إذا كانوا قاصدين حج بيت الله الحرام. وعند انتشار المولوية أصبحت بعض التكايا المكان الذي يقيم فيه الدراويش. ويقضون أوقاتهم في العبادة، وفي الذِكر الذي كان كثيرا ما يصاحَب بالرقص الدائري الصوفي والموسيقى.

مع اضمحلال المدارس في العهد العثماني، انتعشت الزوايا والتكايا، وازداد عدد الصوفية والدراويش. وأصبحت ملجأ للفقراء عبر العصور. وبعد الحرب العالمية الأولى، حظر أتاتورك الشعائر الدينية، ومنها المولوية فهدم الكثير من التكايا، وحول بعضها إلى متاحف وأغلق الباقي. ومن ميزات التكايا المولوية أنها كانت مركزا لتطوير الفكر والموسيقى والشعر .

بالإضافة للترقي الروحي والعبادة. ومن تلك التكايا تكية تربة خانة في قونيا تركيا، وأنشأها المولويون وتعد أشهر «تكية مولوية». واسمها تركي يعني قاعة المدفن. وهو البيت الذي أهداه السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباذ إلى والد جلال الدين الرومي الملقب بسلطان العلماء، ودفن فيه.

ورفض جلال الدين من جعل قبر أباه مكان للزيارة. وبعد وفاة الرومي ودفنه بجانب والده، قام ابنه بجعل موقع القبر مكانا للزيارة، فتم إنشاء القبة الخضراء على أربعة أعمدة. وخلال القرن الثالث عشر، تحول المبنى إلى صرح ضخم واحتوى مسجد، قاعة للرقص الروحي، وجناح لسكن دراويش الطريقة المولوية، ومدرسة وكان ضيافة لرواد الطريقة المولوية. ويجذب المزار حجاجا من جميع بلاد العالم لما للرومي من أتباع ومريدين من مختلف الديانات والملل. وفي عام 1927، حولته حكومة الجمهورية التركية إلى متحف.

من أشهرها أيضا التكية المولوية (نقوسيا- قبرص)، عند استيلاء العثمانيين على جزيرة قبرص كان قائدا الجيش (لالا مصطفى باشا وأراب أحمد باشا) من المولويين، وكذلك كانا المفتيين والقاضيين المعينين في الجزيرة. وفي نهاية القرن السادس عشر شيّدا المبنى الذي أصبح التكية.

وبداخل المبنى يوجد سمعخانة، وبعض المدافن لستين شيخا من شيوخ الطريقة. وبقيت تكية مولوية إلى أن حظر أتاتورك الطريقة المولوية، فأصبحت متحفا للدراسات العرقية. بالإضافة إلى تكية القدس، والتكية المولوية وهي من أهم التكايا التي أقامها العثمانيون في القدس.

وقد بناها قائد القدس «خداوند كاربك». وكان تعيين شيخ التكية يأتي من الشيخ الأعلى للطريقة المولوية في قونية بالأناضول. وكانت التكية المولوية مؤلفة من طابقين وبناؤها جميل متواضع له مدخل ضيق وجدران بيضاء. ولها أملاك وأوقاف للإنفاق عليها، وقد اندثرت كلها. وتوفي في سبعينيات القرن الماضي آخر شيخ من شيوخها، وهو الشيخ عادل المولوي الطرابلسي الأصل.

تكية البكتاشية :

من ضمن التكايا تكية البكتاشية في القاهرة، وتقع في داخل كهف السودان بسفح جبل المقطم في القاهرة. وقد عرف كهف السودان بعدة أسماء أيضا مثل ضريح عبد الله المغاوري وزاوية المغاوري وخانقاه وتكية المغاوري. وقد ذكر المؤرخ المقريزي أن الذي أنشأ هذا الكهف جماعة من السودان قاموا بحفر ونحت كهف في جبل المقطم نسب إليهم وعرف باسمهم، وذلك في عهد الخليفة الفاطمي الظاهر بيبرس. وقد اتخذت طائفة المولوية أو الجلاليون نسبة إلى جلال الدين الرومي هذا الكهف زاوية لهم فترة من الزمن في القرن الخامس عشر الميلادي.

وقد آلت التكية أو كهف السودان بعد ذلك إلى طائفة أو دراويش البكتاشية وهي طريقة أناضولية دراويشها من الأتراك عملت الدولة العثمانية منذ قيامها على حمايتها، وتنسب هذه الطريقة إلى «حاجي بكتاش»، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي.

وكانوا يسكنون أول الأمر في تكية القصر العيني، إلى أن انتقلوا إلى كهف السودان، وذلك في عهد الخديوي إسماعيل باشا، حيث قام البكتاشية بطرد البدو من التكية ونظفوها وأعادوا لضريح المغاوري رونقه، وفرشوه بالطنافس وعلقوا الثريات.

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله