الدار البيضاء – خاص المسلة
أثارت مشاريع سياحية مقررة فوق معالم أثرية يعتقد أنها لأول إمارة إسلامية عرفها المغرب قلق ومعارضة عدة جمعيات مدنية تكتلت للحفاظ على منطقة يرجع تاريخها للقرن الثالث الهجري, طبقا لخبراء وباحثين في التاريخ.
وطبقا لما قاله الدكتور أحمد الطاهري أستاذ التعليم العالي ورئيس مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري بإشبيلية, فإن هذه المنطقة هي إمارة بني صالح.
وعلى طول منطقة ريف المغرب الأمازيغية المحاذية لساحل البحر المتوسط تنتشر بقايا ظاهرة لعدة مدن ومواقع أثرية قديمة، أشهرها مدن النكور وبادس والمزمة وقصر تارجيست، حيث كان يقيم المجاهد عبد الكريم الخطابي، وأنوال موقع المعركة الشهيرة التي هزمت فيها المقاومةُ الجيش الإسباني.
ويتهم باحثون وممثلون لجمعيات مدنية بالمنطقة المسؤولين بالإهمال البالغ فيما يتعلق بريف المغرب الذي قالوا إنه يتعرض لتهمش مواقعه التاريخية، حيث لا يوجد أي أثر منها ضمن المواقع الرئيسية لمديرية التراث.
وفي اجتماع رسمي ضم ممثلي الجمعيات, اعترف ممثل وزارة الثقافة بعدم تصنيف موقع مدينة المزمة المجاورة لمدينة الحسيمة الحالية ضمن المواقع الرئيسية. وقد وصف الطاهري هذا الاعتراف بأنه “قمة الاستهتار لمن وكلت لهم شؤون الثقافة بالبلاد”.
أما عضو الجمعية المغربية لعلوم الآثار محمد الجطاري فقد تساءل من جهته “كيف يمكن تفسير غياب أي موقع أثري من منطقة الريف ضمن لائحة التراث الوطني مع أن المنطقة تعج بعدد مهم من المدن الأثرية؟”، مضيفا في حديث للجزيرة نت “هل نحن أمام مؤامرة منظمة وتدمير نسقي لمعالم الريف الأثرية؟”.
في المقابل ردت وزارة الثقافة بأنها ستهتم بالموضوع وبإرسال وفد إلى المنطقة لمعاينة الآثار وتصنيفها.
وقد تصاعدت الأزمة مؤخرا بعد إقدام صندوق الإيداع والتدبير -أكبر شركة استثمارية رسمية بالمغرب- على تنفيذ مشروع سياحي كبير فوق آثار مدينة المزمة. غير أن رسالة جماعية دفعت والي الجهة لعقد اجتماع طارئ شمل كل الأطراف لتجلية الموقف واتخاذ قرار حاسم.
وفي الاجتماع قرر والي الجهة معاينة الموقع والتعرف على أهميته التاريخية بمشاركة خبراء في المواقع التاريخية، فأوقف المشروع لإعادة النظر فيه، كما عبرت الشركة السياحية عن التزامها بالمحافظة على الآثار الموجودة.
وعبرت الجمعيات عن ارتياحها لهذا القرار، لكنها قررت متابعة الموضوع والاتصال بمديرية التراث الثقافي في شأن تصنيف موقع المزمة ضمن التراث الوطني، وتنظيم ملتقى ويوم دراسي حول المآثر التاريخية بالريف، وتنفيذ وقفات احتجاجية ومناشدة جميع المهتمين والفاعلين المدنيين لإثارة الموضوع.
ويفسر الطاهري أهمية مدينة المزمة بأنها كانت عاصمة لأول إمارة إسلامية بالمغرب، وأنها كانت حاضرة عامرة مزدهرة ولها مرسى عريق ظل مركزا لنشاط اقتصادي بحري في كل منطقة البحر الأبيض المتوسط وجسرا بين الأندلس والمغرب.
وتطالب الجمعيات بإيفاد مختصين في الآثار لاكتشاف المدينة المدفونة تحت الثرى والتي لا يظهر منها الآن إلا بقايا المسجد الجامع وأسوارها. ولا يخفي أهل الريف مخاوفهم من مخاطر سياحة جنسية تخرب النسيج الثقافي والاجتماعي لمنطقة معروفة بمحافظتها الشديدة.