السياحة الجبلية.. ملاذ المغاربة للاستمتاع بالطبيعة
مراكش " المسلة " … تعول وزارة السياحة على إنعاش قطاع السياحة في المغرب- كثيرا على السياحة الداخلية كأحد روافد الإنعاش، في ظل أزمة عالمية لم يتعاف من تداعياتها بعد الاقتصاد الوطني.
ورغم أن السياحة الداخلية الموجهة بالأساس إلى المواطنين ما زالت لم تتطور بالشكل المطلوب ولم ترق إلى طموحات القائمين على القطاع، إلا أنها أخذت طريقها نحو انتعاش مطرد يساير الوضعية الاقتصادية العامة، وكذلك المستوى المعيشي للمواطنين.
وإذا كانت وزارة السياحة تحاول بين الفينة والأخرى إطلاق بعض البرامج التي من شأنها ضمان هذا الانتعاش، كما هو الشأن بالنسبة إلى برنامج «كنوز بلادي»، الذي يدعو ضمنيا إلى اكتشاف مختلف المناطق بالمملكة وبأثمان تشجيعية، إلا أن هناك اجتهادات واضحة من طرف المواطنين الذين سلكوا طرقات خاصة لبلوغ المتعة السياحية بأقل تكلفة، وفي مقدمة المناطق التي يقع اختيارها المناطق الجبلية التي توجد وسط المملكة وتضمن متعة خاصة في مختلف فصول السنة.
فالقرب الجغرافي للمناطق الجبلية التي تقع وسط المملكة المغربية تجعل الوصول إليها أمرا ميسرا خصوصا بالنسبة إلى كبرى المدن مثل العاصمة الإدارية الرباط والعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء ونواحيهما. بيد أن هناك من العائلات من دأبت على تنظيم زيارات يومية إلى هذه المناطق، بحيث تكون الانطلاقة في اتجاهها في الصباح الباكر للعودة منها في المساء.. «هذه الصيغة توفر علينا مصاريف المبيت وتجعلنا نستغل طيلة الفترة الصباحية والمسائية بشكل كبير»، كما يوضح الحاج أحمد -أستاذ في الرباط- الذي يفضل التوجه إلى المنطقة الجبلية خصوصا تلك المحاذية لمدينة إفران ونواحيها (إيموزار وأزرو والحاجب بالأطلس المتوسط). ففي تقدير هذا المواطن «يمكن الاستفادة من سياحة لمدة قصيرة خصوصا في فصل الربيع الذي يعرف إقبالا كبيرا على السفر ولتنظيم الرحلات الترفيهية دون أن نخصص غلافا ماليا كبيرا لسد نفقات المبيت أو قضاء يومين أو ثلاثة أيام في عين المكان».
بل إن هناك من العائلات من تتجول في المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة إفران خلال يوم واحد، وتتمكن من زيارة إفران الخلابة بطبيعتها وهدوئها، ثم قضاء فترة من الاستراحة في الضواحي وبالتحديد في منطقة عين فيتال التي تعرف إقبالا منقطع النظير في فصل الربيع. هناك كل شيء متوفر، الأمان والراحة والترفيه بالنسبة للصغار.
ركوب الحصان
أطفال في مقتبل العمر ينتمون إلى المناطق الجبلية يخلقون حيوية ويقدمون خدمات ترفيهية ممتازة للزوار. «سعيد» أحد هؤلاء الأطفال عمره لم يتجاوز الثالثة عشرة، يدرس في الفصل الثاني الإعدادي (قسم الثامنة)، اضطرته الوضعية الاجتماعية للأسرة إلى البحث عن مصدر عيش يساعد به والديه المعوزين. يقول سعيد إنه ينتمي إلى جمعية تربية الخيول في الأطلس. ورغم صغر سنه، فإنه يقود حصانه، يتجول به في عين فيتال باحثا عن صغار أو شباب يرغبون بركوبه مقابل مبلغ مالي هزيل لا يتعدى في الكثير من الأحيان 30 درهما. يضبط الفتى سعيد عقارب ساعته ويبدأ في التجوال مع الزبون المفترض، وبمجرد انتهاء الفترة المحددة لهذه الرحلة القصيرة فوق صهوة الحصان، يشير إلى الزبون بانتهاء الوقت، فيبحث عن زبون آخر، وهكذا دواليك إلى حين اقتراب غروب الشمس.
وإذا كانت وزارة السياحة تتحدث في مخططاتها عن شعار الاستمرار في جعل السياحة من محركات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأيضا الثقافية في المملكة بوضع معايير الأصالة والتنوع والجودة، فإن الذين يباشرون عملية جذب السياح الداخليين في عدد من المناطق، يبدعون بدورهم في خلق عروض مغرية ومتنوعة لتنشيط السياحة. فأمثال الفتى سعيد كثر سواء في عين فيتال أو في ضاية عوا غير البعيدة عن مدينة إفران وغيرها من المناطق المجاورة، يتجولون طيلة اليوم ولا يتوقفون عن استقطاب زبائن خصوصا من فئة الصغار الذين يعلنون رغبة كبيرة في ركوب الأحصنة تعبيرا عن فرحتهم وسعادتهم بيوم ممتع وسط جبال الأطلس المتوسط.
حناء تقليدية
فتيات المنطقة من جهتهن يقدمن عروضا للزائرات، وذلك بتزيينهن بحناء تقليدية وبأشكال مزركشة، يستغللن تواجد العائلات وسط الطبيعة، تمر فتيات في مقتبل العمر يحملن صورا لأشكال الحناء التي يقدرن على صنعها. وبحركات سريعة، توضع الحناء وتزين اليد بأشكال عجيبة تختلف باختلاف مهارات كل واحدة من هؤلاء الفتيات، فتجني في النهاية مبالغ تتراوح بين 10 و30 درهما، على اعتبار أن هناك من تطلب تزيين أصبع واحد فقط فيكون المقابل المادي محددا بعشرة دراهم، أما إذا تقرر تزيين اليدين معا، فإن السعر يحدد في سقف 30 درهما. إن مثل هذه الأنشطة إلى جانب أخرى مثل بيع بعض المنتوجات المحلية وعرض مواد للبيع (عسل) رغم بساطتها، تساهم في إنعاش السياحة الداخلية الجبلية، بعيدا عن التوجهات الكبرى التي ترفعها الوزارة والتي تتحدث فيها عن ضرورة اعتماد المنهجية الاستباقية المبتكرة وتعزيز التراث الثقافي والطبيعي. وإذا كانت الحاجة أم الاختراع، فإن حاجة سكان المناطق الجبلية الذين يعيشون طيلة فصل الشتاء عزلة تامة بسبب قسوة الطقس وبرودته، تستدعي تعويض ذلك الركود المفروض من قبل الطبيعة.
بساطة الخدمات
وفي المقابل، فإن المواطنين يستفيدون من مثل تلك البساطة التي تعفيهم من مبالغ مالية كبيرة التي في غالب الأحيان تتطلبها الإقامة في الفنادق المصنفة أو الإقامات الفاخرة ذات الجودة العالية في المسكن وفي التغذية والترفيه. هؤلاء المنتمون عموما إلى الطبقات الوسطى، أو حتى من أصحاب الدخل المحدود، يرون من حقهم دخول عالم السياحة، لكن وفق قدراتهم المالية، علما بأن وزارة السياحة لا تتوقف عن الحديث عن مكانة السياحة الداخلية في إطار دعم القطاع برمته، بيد أن الأرقام الرسمية المتوفرة تشير إلى أن عدد الأسفار الداخلية تضاعف ثلاث مرات خلال الفترة الأخيرة، ما يعني إقبال العائلات المغربية على شد الرحال وعلى تنظيم رحلات السفر، وهو الأمر الذي كان إلى وقت غير بعيد يقتصر على الميسورين وعلى الطبقات الغنية في البلاد. الآن هناك تطبيع مع «ثقافة السياحة والسفر»، بل هناك من بدأ يعتبر هذا الأمر من مؤشرات تجسيد السعادة.
يشار إلى أن السياحة تعد ثاني مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي %12، كما أنها تعد مصدرا أساسيا لخلق فرص الشغل، إذ تمكن من خلق ما لا يقل عن 550 ألف فرصة عمل مباشر أي ما يعادل %5 من العدد الإجمالي لفرص العمل الجديدة في الاقتصاد الوطني.
د ب أ