اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

رواية طعم الخرس … ظلم ولد من غفوة حلم … رؤية نقدية بقلم سونيا ابيضى

رواية طعم الخرس … ظلم ولد من غفوة حلم

 

 

 

 

عرض بقلم : سونيا ابيضى


ان الوجع الذي أصبح يسكن قلب المواطن العربي جعل منه إنسانا خياليا حالما يصنع من استحالة حاضره أحلاما يعيش داخلها كي يعبر عما يخالجه من كبت وقهر وصمت مؤلم …

 


سافر الدكتور المصري يحيى خير الله مؤلف رواية "طعم الخرس" إلى عالم السهل الممتنع في كتابته ليأخذ القارئ بعبارات عادية بسيطة الى عالم متشعب لن تفهم رموزه الا متى بحثت بين ثنايا فقرات الرواية التي بدت من خلال عنوانها حبلى بالقهر والالم …



 "طعم الخرس" هي إنتاج أدبي عربي جديد صورت حياة الإنسان في الشعوب العربية من خلال شخصيات تحمل أسماء رمزية في القرية والمدينة وقد اختار أن يمزج فيها بين العربية الفصحى واللهجة المحلية المصرية ربما لتكون أكثر قربا من القارئ وأكبر عمقا عند كاتبها ومن الواضح أن المؤلف هنا كان يحمل ثقلا على كاهله في كشف بعض الحقائق في وطنه، الذي رسم بعض تفاصيله في اختلاف المكان و تغير الزمان والشخصيات بما تحمله من فوارق إجتماعية وثقافية.



بعد ان أبحرت في محتوى الرواية، جال بخاطري وأنا أقرأ الأحداث المتتالية المسرودة بسلاسة أنني أمام إنتاج أدبي عربي عادي إلا أنني كلما غصت أكثر فيما جاء بين الطيات والخفايا تغير حالي من الفرح إلى الحزن ومن الحزن إلى الحيرة، الأوصاف الدقيقة والأحداث المحبوكة وتنوع الشخصيات والعلاقة التي تربط بينها جعلتني أنصهر داخل الرواية لأصبح جزءا لا يتجزأ من الحكاية .. الانتقال من المدينة إلى القرية والالتقاء بكل شرائح المجتمع المصري من الأمي إلى المثقف ومن المتمدن إلى القروي ومن الشاب إلى الشيخ ومن المدني إلى العسكري وجمعهم في إنتاج واحد متماسك جعلني أرى اختلافا وتجديدا في ادبنا العربي المعاصر لأتعايش أحيانا مع الفئة المثقفة من خلال شخصية الدكتور رامز الذي يقتفي الاثر ويبحث وراء الأسباب ليكتشف أن هناك مؤامرة تحاك ضد وطنه في الوقت الذي كان الكل لا يتقنون إلا كلمات الثناء والمدح لحاكمهم وأحيانا اخرى تجدني أعيش في الرواية الحياة الريفية البسيطة من خلال أهل القرية من ذلك عبد الشافي التمرجي الذي لا يشغله في الدنيا إلا كسب قوت يومه من بني قريته دون دراية بما يحصل حوله في البلد وما بينهما لا لغة تنطق إلا الخرس الذي يلعب الدور الأساسي في الرواية.



لم يتغافل المؤلف هنا عن الدور الكبير الذي تلعبه المرأة في مجتمعاتنا العربية فصورها بذاك الشموخ وتلك الانفة والوفاء من خلال الحاجة أم أيوب التي كشفت رمزية كبار السن والأدوار التي يضطلعون بها في المجتمع العربي.



إختار المؤلف في رواية طعم الخرس أن ينتقي لكل جزء عنوانه الخاص به وقد جاءت كل العناوين ذات رمزية إما دالة على الحدث المنتظر أو لإبراز شخصية ذات مغزى في الرواية و هو الشيء الذي جعلها نوعا أدبيا أقرب إلى الدراما المرئية فقد حاد الكاتب هنا عما نألفه من روايات العرب المعتمدة على مقام سردي أساسي واحد بل ترك مساحة كبيرة لشخصياته للتحاور وأحيانا للتجادل ليتمتع هو بدور الراوي الخارجي إلا أن تواتر الأفعال في صيغة الماضي جعلت للأحداث ديناميكية خاصة.


 


يحيى خيراللهرغم أن هذا المنتوج الأدبي أبعد ما يكون عن الرواية العجائبية التي تروي أحداث من وحي الخيال وفوق ماهو طبيعي ومنطقي إلا أن المؤلف الدكتور خير الله إنتهج منهج السرد الخارجي الذي تعتمد عليه الرواية العجائبية ليقص علينا وقائع حقيقية تعيشها مجتمعاتنا العربية أو مجتمعه في مصر فقد إبتعد أشد البعد عن إستعمال ضمير المتكلم في روايته بل إختار أن ينطقها بضمائر الغائب


 

 

 

 


لولا معرفتي التامة بأن المؤلف مصري الجنسية لقلت أنه من الذين عاشوا مجزرة "جبل الشعانبي" بالجمهورية التونسية من خلال جزء يموت الشجعان ليحيا الجبناء "فقد صور الحكاية بكل تفاصيلها بالجنود الذين لقوا حتفهم على يد الجبناء بذاك الوجع الذي عاشته العائلة التونسية وهي تفقد براعمها أبناء العشرينات من العمر وهنا أبرز لنا الكاتب بالدليل أننا نعيش الوجع نفسه وأننا شعوب رغم الفتن وجور الحكام نتألم مع بعض ولو على بعد أميال ..



إن ما تحتويه الرواية من معلومات سياسية وأخرى تاريخية وما تضمنته من أسماء قد تشير إلى شيئين متناقضين إما أن يكون الكاتب مطلعا ومتضلعا في كل ما يدور في العالم من الأعيب سياسية أو أن يكون قد تذوق طعم الظلم والقهر إلى درجة الخرس الشيء الذي جعله يحضر من خلال الرواية في جزئين جزء عاطفي مغلوب على أمره من خلال حواره مع طفل أغرقه في بحر من الأسئلة المؤلمة في مشهد دفن الخياط الشحات وذاك الدكتور الذي يزور قريته من حين لآخر ليفسر للبعض مجموعة من المصطلحات والخطط والمؤامرات وبين هذا وذاك يصنع الكاتب لبطله شخصية عبثية يظهرها من خلال الجزء الأخير من الرواية وقد أدخل الدكتور في غيبوبة من أمره حتى ما عاد يفرق بين الواقع والحلم ..



ما جعلني في حيرة من أمري هنا هو أنى للكاتب بكل هذه القدرة على كتابة الألم وقد وصف بدقة وتفاصيل مجزأة حادثة موت منتصر وقد أمسك بكيس الحناء يعجنها بدمه ليلة حنته ..أنى له بكل هذه القدرة على كتابة نحيب حسناء الموجع وقد تحول عرسها إلى عزاء. ..



بدت الرواية من خلال عنوانها أنها تعالج قضية القهر الذي نتج عنه خرس إلا أن أحداثها تقول أكثر من ذلك فقد تطرقت لعديد المواضيع المسكوت عنها في المجتمع المصري و العربي على حد السواء فهل ان المؤلف هنا أراد أن يقول أن الخرس هو الحل الوحيد ليعيش الفرد بسلام في بلده وخاصة حين يكون مثقفا أم انه يعمق المشكلة فتتراكم المآسي لنعيش مقولة ما زاد عن حده إنقلب إلى ضده؟



رواية طعم الخرس لا تشبه كثيرا ما تعودنا عليه في الأدب العربي من نهاية سعيدة وسرور بين مختلف الشخصيات فلا يكون البطل إلا منتصرا فرحا سعيدا عكس ما بدا عليه الدكتور رامز في هذه الرواية فقد كانت نهايته مختلفة إختار فيها المؤلف أن يوصد باب روايته تاركا بطله يتململ في موقف محرج محيرا لا يحسد عليه وربما هذا تلميح منه إلى أن المواطن العربي ليس إلا ذاك الإنسان الذي تغلف حياته الحيرة والقلق أو قد يكون لهذه الصورة التجريدية قراءات اخرى ستكشفها تفاصيل الرواية.



سونيا ابيضي – تونس

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled