اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

السحر والتعاويذ والدمى السحرية فى تاريخ مصر .. دراسة آثرية مهمة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المسلة السياحية

 

أعدها للنشر :د.عبدالرحيم ريحان

 

 

 

اعتقد الإنسان منذ بدء الخليقة وجود قوى خفية تسيطر عليه تسبب له الخير والشر، فشعر بحاجته الشديدة لما يساعده على مواجهة تلك القوى، لذلك لجأ إلي استخدام السحر من خلال أدواته التي تتمثل في التعاويذ والتمائم والدمى السحرية.

 

 

وقد أشارت دراسة جديدة للدكتورة أسماء إسماعيل محمد مدرس الآثار اليونانية والرومانية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية تحت عنوان ” الدمى السحرية فى مصر فى العصر الرومانى” ، والتى تتناول الدمى التي اعتمدت على مبدأي السحر، وهما التماثل أو التقليد وفيه يقوم الساحر أو ممارس السحر بإيقاع تأثير معين على شخص عن طريق إيقاع نفس التأثير على صورته، ومبدأ العدوى وفيه يقوم الساحر بإيقاع التأثير على الشخص عن طريق إيقاع نفس التأثير على جزء من جسده مثل الشعر وقلامة الأظافر، ويحدث ذلك عندما توضع في بعض هذه الدمى أجزاء من الشخص المراد سحره مثل الشعر ، أو قلامة الأظافر أو حتى الملابس.

 

الدكتورة أسماء إسماعيل محمد

 

ويقتصر غرض استخدام الدمى السحرية على سحر الشر أو السحر العدواني مثل مجال الإغواء في أمور العشق أو الإيذاء بأشكال مختلفة ، وتشير الدكتورة أسماء إسماعيل إلى أن أغراض السحر تنقسم إلى نوعين، النوع الأول وهو السحر المفيد المستخدم بغرض الشفاء والحماية، مثل استخدام التمائم السحرية في الأغراض الطبية المعالجة للأمراض وكذلك في دفع أذى الشياطين والسباع والحشرات وغيرها،

 

أما النوع الثاني وهو السحر الخبيث أو ما يطلق عليه السحر العدواني أو سحر الشر المستخدم بغرض الإغواء واللعن وإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص، وفي كثير من الأحيان فإلى جانب الأدوات الأخرى، تستخدم الدمى السحرية التي تعبر عن الأشخاص المراد إيذائهم، ومن ثم فإن الضرر الواقع على تلك الدمى سيقع بالضرورة على هؤلاء الأشخاص، وعادة ما تُدفن هذه الدمى بالمقابر أو بالقرب منها.

 

 

 

وقد استخدمت الدمى السحرية في مصر منذ أقدم العصور ومستمرة حتى الآن، كما استخدمت من قبل الإغريق والرومان، وصنعت تلك الدمى أو التماثيل المصغرة من الأحجار أو المعادن أو الطين أو الفخار أو الخشب أو الشمع أو القماش.

وتوضح الدكتورة أسماء إسماعيل أن المصادر المصرية القديمة قدمت لنا في الأسرة الثالثة المثال الأقدم على استخدام الدمى السحرية، حيث ذكرت البردية وستكار عملًا سحريًا استخدم فيه تمثال شمع على هيئة تمساح، وتشير البردية إلى تحول التمثال الشمعي الصغير إلى تمساح حي ضخم حيث استخدم لقتل شخص.

 

كما استخدمت التماثيل الشمعية في عصر الدولة الحديثة للقيام بمؤامرة لإسقاط عرش رمسيس الثالث (1186-1154ق.م.)، حيث صنع المتآمرون تمائم وتعاويذ وتماثيل من الشمع وقاموا بتلاوة بعض الطلاسم السحرية مما أدى لإصابة الملك بالشلل.

 

 

كما أشارت بعض المصادر إلى أن الملك نكتانيبو الثاني II كان يمارس السحر، وقد استخدم تماثيل شمعية مصغرة في هزيمة أعدائه وقد عثر على العديد من التماثيل المصنوعة من الفخار والتي تعود إلى الفترات المصرية القديمة نحو القرن 20 أو 19 قبل الميلاد، وربما تكون قد استخدمت في طقوس اللعنة وتمثل بعض المقيدين وعادة ما تقيد تماثيل الأعداء بشكل مفصل ودقيق مثلما تربط الحيوانات التى يقومون بالتضحية بها.

 

 

 

وتنوه إلى السحر عند الإغريق فقد أشار هوميروس إلى السحر والتعاويذ السحرية، كما تحدث أفلاطون عن تماثيل الشمع التي تثبت على الأبواب وتوضع على شواهد القبور وعند مفترق الطرق، وقد عثرعلى العديد من الدمى السحرية لرجال ذوي أعضاء جنسية منتصبة وأيديهم مقيدة للخلف في مدن مختلفة في اليونان داخل صناديق من الرصاص مصحوبة بألواح اللعنة، ويرجع تاريخها إلى الفترات الكلاسيكية والهلينستية، وقد عثر على مجموعة من التماثيل الصغيرة المصنوعة من الرصاص داخل حاويات من الرصاص من مقبرة كيرامايكوس في أثينا وترجع إلى حوالي 400ق.م.

 

حاوية رصاصية تستخدم كتعويذة

 

كما عثر على دمية سحرية مصنوعة من الشمع لرجل تهاجمه أفعى في نافورة أنا بيرينا في روما ترجع إلى نحو القرن الرابع الميلادي، وقد وجدت هذه الدمى في العالمين الإغريقي والروماني في أماكن مختلفة في بلاد اليونان ،وجزر بحر إيجة ،وإيطاليا وصقلية، وشمال أفريقيا ومصر وفلسطين ،وآسيا الصغرى ،وسواحل البحر الأسود.

 

وتشير الدكتورة أسماء إسماعيل إلى السحر في العصر الروماني والدمى السحرية المصنوعة من الشمع والفخار كما جاء فى البرديات السحرية اليونانية – والتي ترجع إلى الفترة ما بين القرنين الأول والخامس الميلاديين، ويحتوي المتحف البريطاني على تمثال صغير مصنوع من الشمع الداكن لرجل يعود إلى الفترة الرومانية 100- 200 م. محفوظ بالمتحف البريطانى برقم 37918 ويبلغ طوله 7.6 سم، ويوجد في سرة هذا التمثال الصغير شعر بشري، وورقة من البردي مغروسة في ظهره،

 

ومن شأن هذا الشعر أن ينقل جوهر الشخص الذي ينتمي إليه هذا التمثال، ومن ثم سوف تؤثر الطقوس التي تمارس على التمثال على صاحب الشعر، وتنصح بعض التعاويذ المذكورة في البرديات اليونانية المصرية بخلط شعر الضحية المقصودة بشعر شخص ميت، وقد يكون الغرض من هذا التمثال إمراض شخص ما، حيث ورد في إحدى البرديات السحرية الإغريقية وصفة لإيقاع المرض بشخص،

 

حيث كان من متتطلبات الوصفة السحرية عمل تمثال صغير من شمع النحل، وتكتب بعض العلامات السحرية على ورقة بردي، ثم تغرس في التمثال ويوضع التمثال في إناء جديد لم يستخدم، ويترك في الظلام، ثم يؤخذ إلى مقبرة ويدفن فيها أثناء ترتيل بعض الطلاسم السحرية.

 

وأحيانا نكتب تعويذة اللعنة السحرية على الحاوية الرصاصية مثلما حدث في حاوية من كيرامايكوس بأثينا ضمت دمية سحرية من الرصاص وترجع لنحو 400 ق. م. وتتضمن نصوص اللعنات المسجلة على تلك الصفائح أغراضًا مختلفة مثل العشق والبغض والفراق، وهناك تمثال من مصر من التراكوتا محفوظ بمتحف اللوفر برقم E 27145 وقد عثر عليه في أنتيتوبوليس ويعود إلى الفترة من القرن الثاني إلى الثالث الميلادي وذلك لأن اسم أنتينووس ورد في التعويذة المصاحبة للتمثال.. وقد مات في مصر غريقًا أثناء زيارة الإمبراطور هادريان لمصر 130 م.

 

ومن الواضح في التمثال أن تسريحة الشعر المعروفة باسم أسلوب البطيخ قد ظهرت بها العديد من زوجات الأباطرة مثل فاوستينا الصغرى زوجة ماركوس أوريليوس (161- 182)، وجوليا دومنا زوجة سبتميوس سيفيروس (193-211)، وأوتاكيليا سيفيرا زوجة فيليب العربي (244-249) ، وسالونينا زوجة جالينوس (253-268) مثلت فيه امرأة مربوطة الذراعين خلف ظهرها، وقد غرست بها ثلاثة عشر مسمارًا في رأسها وعينيها وأذنيها وفمها وصدرها وأعضائها التناسلية.

 

 

وتشير الدكتورة أسماء إسماعيل إلى تعريف لوحات اللعنة بأنها تصنع من المعادن سواء الفضة أو الذهب أو البرونز أو الرصاص وتنقش عليها طلاسم لتدمير الأعداء أو تعاويذ العشق التي كانت تدفن مع تماثيل سحرية، وقد بلغ عدد هذه الألواح 1700 لوحة ومعظمها مكتوب بالإغريقية والباقي منها مكتوب باللاتينية وقد عثر عليها في مناطق مختلفة في العصرين اليوناني والروماني…

ويرجع أول ظهور لها إلى وقت مبكر من القرن الخامس ق. م. في صقلية وهي عبارة عن صفائح رقيقة أغلبها من الرصاص، الذي يظن أنه تتمتع بخواص سحرية، كما أنه يمتاز بالليونة ومن السهل النقش عليه بالأدوات الحادة، وقد وجدت صفائح من معادن أخرى مثل الذهب والفضة والبرونز وتكتب عليها التعاويذ السحرية وقد تلف أو تطوى أو تثقب بالمسامير، وعادة ما تدفن تحت الأرض ومن الأفضل في قبر أو تلقى في الآبار.

 

وقد ذكر في إحدى البرديات السحرية الإغريقية والتى يرجع تاريخها إلى أوائل القرن الرابع الميلادي أنه يجب على القائم بالعمل السحري الهادف للإغواء والعشق أن يصنع تمثالين من الطين أو الشمع لذكر وأنثى، على أن يرتدي التمثال الذكر ملابس عسكرية بحيث يشبه الإله أريس ويحمل سيفًا باتجاه رقبة الأنثي التي تصور راكعة ومكبلة اليدين خلف ظهرها، مع غرس ثلاثة عشر دبوسًا فى أماكن متفرقة من الجسم على أن تصاحب التمثال لوحة رصاصية بها وصفة سحرية، وهي مايطلق عليه اسم لوحات اللعنة المذكورة أعلاه، حيث توضع مصاحبة للتمثال.

 

ومن المعروف أنه حتى عهد قريب كانت الدمى المصنوعة من القماش والورق تثقب باستخدام الإبر، وتحرق مع تلاوة بعض الأوراد والتعاويذ للحماية من الحسد، وإبراء المرضى الذين يظن أن أمراضهم قد نتجت عنه، وهو أمر كان شائعًا في مصر بأسرها.

 

وتذكر البردية أنه يجب أن يدفن العمل عند غروب الشمس في مدفن شخص مات ميتة عنيفة او مات شابًا وهو يرتل ” إننى أحفظ هذه التعويذة معكم يا آلهة وشياطين العالم السفلى كورى وبرسيفونى وإريسخيجال وأدونيس وهرميس وأنوبيس، إننى أتضرع إليكم أن تحضروا إلى فلانة بنت فلانة، وأن تملؤوا قلبها ولها بى أنا فلان بن فلانة ولتكن أمة لى بحق أدوناى حاكم السماء، اجذبوها بالمواد السحرية التي تملكونها،

 

واجعلوها تحبني لا تدعوها ترتبط بعلاقة مع أحد غيري، لا تجعلوا أحدا غيري يعاشرها، ولتكن عاجزة عن الطعام والشراب بدوني، وناقمة غير راضية، وضعيفة غير قوية، ولتحرم من الشعور براحة البال، ولا تذق طعم النوم بدوني ولا تمرح أو تلهو بعيدًا عني ولو حتى لمدة ساعة وهناك أمثلة كثيرة وردت في البردي لتعاويذ سحرية للعشق والبغض والفراق.

 

وعن أسباب دفن التماثيل البشرية والحيوانية بالقرب من قبر جديد لأشخاص ماتوا في مقتبل العمر أو عنفًا بساحات القتال ،توضح الدكتورة أسماء إسماعيل أن ذلك يزيد فاعلية وقوة التأثير السحري، حيث تعمل على إعطاء الأرواح المتحمسة للموتى الذين يحومون حول القبر الطاقة والقوة لهذه العملية، بالإضافة إلى قوى آلهة العالم الآخر، مع ممارسة الشعائر والتلاوات لمنح التماثيل قوى أكثر وفاعلية سحرية أقوى .

 

وتتابع بأن التماثيل السحرية مثلت عنصرًا هامًا فى سحر العشق يتبع فيها مبدأ التماثل، أمّا فيما يخص غرس الدبابيس، فقد ارتبط هذا الأسلوب في مصر في العصرين البطلمى والرومانى بسحر الشر الذي يعمل على إيقاع الأذى بالناس، ففى المثال السابق كان السحر للعشق– وهو نوع من الشر أيضا، وذلك لأنه يرغم شخصًا ما على عمل شئ لا يرغب في عمله – ولكن فى إحدى التمائم المصنوعة من الجاسبر الأحمر المعرق بالأسود تغرس الدبابيس فى عمل يقصد منه موت الضحية، والتميمة محفوظة فى المتحف البريطانى .

 

وتشير الدكتورة أسماء إسماعيل إلى نماذج بمتحف مكتبة الإسكندرية تمثل مجموعتين من التماثيل الشمعية اكتشفتا في بني مزار وتعود إلى القرن الخامس ق. م. وقد عثر عليها أسفل إناء فخاري لم يستعمل قطر حافته 22 سم وفي جانبه شكل مستطيل 6.5 × 3.5 سم يظن أنه كان لوحة اللعنة التي تحمل الطلسم السحري قد ثبتت عليه، وهي مفقودة الآن، وقد اعتمد تأريخ المجموعتين على دراسة الإناء الذي اتضح أنه مصنوع محليًا من طينة وادي النيل. وقد تبين أنه ينتمي للتصنيف المسمى ” الآنية المصرية ذات الطلاء الأحمر” والتي لم تستخدم في مصر قبل نهاية القرن الرابع الميلادي.

 

 

المجموعة الأولى وطولها 10 سم – عبارة عن ذئب يقبع فوق امرأة مستلقية على ظهرها مقيدة يديها ورجليها خلف ظهرها وهناك تجويف في بطنها، ومن المحتمل أن يكون الذئب قد نهش بطنها والمجموعة الثانية وطولها 11 سم – عبارة عن ذئب يعتلي جسم رجل مستلق على ظهره وينهش رقبته، ويظهر الرجل ويداه وساقاه مربوطتان خلف ظهره، ويلاحظ أن عضوه الذكري منتصب .

 

 

وهناك عددًا من التفسيرات المحتملة لهذا العمل السحري.. أولها أن من قام به رجل يعتقد أن زوجته على علاقة برجل آخر، ومن ثم كان العمل من أجل تدميرهما، المرأة الخائنة والرجل الخائن، وثانيها أن رجلًا أحب امرأة رفضته وتزوجت من آخر، فعمل على تدمير زواجها بقتل زوجها وإخلاء رحمها من أي جنين محتمل، وثالثها أن امرأة عاقرًا تحسد امرأة أخرى وتأكلها الغيرة من خصوبتها، لذا فعلت هذا لتدمير قدرتها على الإنجاب بقتل زوجها وإفراغ رحمها، ويلاحظ أن أغراض السحر المرتبطة بالخصوبة لا تزال واسعة الانتشار في مصر حتى حينه لاسيما الريف.

 

وقد توصلت الدكتورة أسماء إسماعيل إلى نتائج مفادها أن مصر شهدت في العصر الروماني انتشارًا للأعمال السحرية المعتمدة على الدمى المصنوعة من مواد مختلفة، لأغراض العشق والشر على وجه العموم، ويستدل على ذلك من الوثائق البردية وكذلك التماثيل المكتشفة فى الحفائر, وظلت هذه التقاليد سائدة في مصر بعد ذلك في العصرين البيزنطي والإسلامي المبكر وصولّا إلى العصر الحديث مع بعض الاختلاف في المواد والأغراض والأسلوب.

 

كما ساد استعمال المواد المتاحة والرخيصة وسهلة التشكيل مثل الطين والشمع ولا يعني هذا عدم وجود دمى من مواد أخرى قد تكون دمرت أو أعيد استخدامها أو لم تزل في باطن الأرض، ولكن وجود تلك الأمثلة يدل على شيوعها، ويلاحظ أن الشمع يمثل أكثر المواد المستخدمة في صناعة الدمى قابلية للدمار، ذلك أن جو مصر العليا والوسطى عادة ما يكون شديد الحرارة في الصيف، وبالتالي قد يسبب هذا ذوبان الشمع وإفساد العمل السحري.

لذا من المرجح أن تلك الدمى كانت تدفن في عمق كبير نسبيا حتى لا تتأثر بالحرارة، وأن أسلوب تنفيذ هذه الدمى أو التماثيل خال من الدقة والاهتمام بالصنعة والأسلوب الفني نظرًا لأن هذه التماثيل ليست للعرض أو الاستخدام اليومي، فهي قد صنعت لهدف آخر وهو الممارسات السحرية، ومن ثم كانت تخفى عن الأنظار وتدفن في أماكن مختلفة من أهمها المقابر.

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled