اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

بعض المواقع مهددة بالاندثار إذا لم تطلها أيادي الإصلاح والترميم

بعض المواقع مهددة بالاندثار إذا لم تطلها أيادي الإصلاح والترميم

فكيك  " المسلة " … شريحة عريضة من الناس يترددون في وضع فكيك ضمن لائحة المدن، التي يرغبون في زيارتها في إطار جولاتهم السياحية الداخلية، بسبب بعد المسافة، وعدم وفرة وسائل المواصلات العمومية المتجهة نحو هذه المدينة الواقعة على الحدود المغربية الجزائرية. لبلوغ مدينة فكيك، يجب التوجه أولا إلى وجدة، قبل قطع مسافة حوالي 385 كيلومترا، مرورا بمدينة بوعرفة، التي تفصلها عن فكيك حوالي 100 كيلومتر. لهذه المدينة طابع جغرافي خاص، يجعل منها نقطة حدودية مع الجارة الجزائر، حيث تحتوي على العديد من المراكز الحدودية، بعضها بري وآخر جبلي، ما يجعلها منطقة لا تخلو من حساسية.

 

يطلق على مدينة فكيك "جوهرة الصحراء" في عدد من الكتابات الأجنبية، وفي عدد من الوثائق السياحية، لما تتمتع به من خصائص طبيعية، نابعة من الموقع الجغرافي للمدينة، الذي يجعلها تتموقع وسط مجموعة من الجبال، تحيطها من جميع الجوانب، لتشكل بذلك حاجزا طبيعيا ينتمي إلى سلسلة جبال الأطلس الكبير الشرقي. قبل عبور المدخل الوحيد، الذي تتوفر عليه مدينة فكيك، يكون من الضروري على كل شخص التوقف عند نقطة مراقبة رجال الدرك، حيث يجري التأكد من هويات الأشخاص الراغبين في ولوج المدينة، والإدلاء بورقة التعريف الوطنية حسب ما عبر عنه أحد المتدخلين من أبناء فكيك خلال ندوة صحفية نظمت حول حقوق الإنسان، على هامش مهرجان الواحات.

 

تبين، خلال زيارة "المغربية"، أن هذا التدبير الأمني، عمل روتيني، تعتبره فئة من سكان المدينة أنه وسيلة لحفظ الأمن والأمان، باعتباره الموقع الجغرافي الحساس لمدينة على الحدود الجزائرية، بينما يثير الأمر حفيظة فئة ثانية من سكان المدينة، التي تعتبر أن تكرار إدلاء أبناء المدينة ببطائقهم الوطنية قبل دخول بيوتهم، يشعرهم وكأنهم غرباء عنها.

 

مدينة التراث المعماري :

 

جميع ملامح مدينة فكيك، تحكي عن ذاتها الضاربة في عمق التاريخ، بأدلة مادية ومحسوسة، تتمثل في غنى المدينة بتراث معماري خاص، يعكس قدم وجود الإنسان فيها، وطول سنوات الممارسة الاقتصادية والاجتماعية فوق ترابها. وهو ما يجعلها من أقدم المدن المغربية في الجهة الشرقية. تبدو المدينة عبارة عن واحة شاسعة، مترامية الأطراف، مليئة بالنخيل والأشجار المثمرة. يعيش السكان وسطها وعلى جوانبها، ليشكلوا أحياء سكنية، تسمى "القصور".

 

تعتبر القصور البناء الأصلي والعتيق في المدينة، وهو أول ما بني فيها، وهي عبارة عن أحياء سكنية كبيرة، دورها مبنية بطريقة تقليدية لا تخلو من إبداع في عمارتها، تعكس تفاصيل تقاليد السكان ونمط عيشهم، وتزين القصور الأقواس التي تطبع عمارة المدينة، بممراتها الضيقة حينا والمتسعة أحيانا أخرى.

 

تضم القصور بيوتا مبنية من حجر المنطقة، تتماسك في ما بينها بالطين ومادة الجير، مزينة بألوان تراب الأرض، ويزيدها جمالا البيوت المحتفظة بأبوابها الخشبية المصنوعة من جذوع النخيل، علما أن بيوتا قليلة وضعت أبوابا حديدية، في محاولة لمسايرة نمط الديكور الحديث، إلى جانب بيوت تبنى بطريقة البناء الحديث، بالإسمنت المسلح والآجور. عند التجول في أرجاء هذه القصور، يظهر أن للقصور أكثر من مدخل، وأن بعضها ما يزال يحتفظ بمخارج متنوعة، تؤدي إلى واحات النخيل أو المنازل.

 

تنبع تسمية "القصر" من كون هذه التجمعات السكنية تلتئم في ما بينها، وتتوفر على احتياجاتها في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الإدارية، وهو ما يدل عليه وجود أبواب شامخة، تفصل القصر عن محيطه الخارجي، خلال فترات ماضية. وهو ما تبرهن عليه بعض الأنقاض للمآثر التاريخية في المدينة، التي تشهد عن وجود أبراج للمراقبة، موجهة نحو الحقول ومصادر الماء والمداخل.

 

والمثير للانتباه أن العمران في فكيك ينبني على العيش داخل بيوت سكنية بطوابق محدودة، أكثرها انتشارا، تلك المكونة من طابق واحد، توجد على شكل رياض، يضم أقواسا وغرفا متقابلة مفتوحة على صحن البيت، بأسقف مزينة بخشب جذوع النخيل المصممة على أشكال هندسية، باللونين الأخضر والأحمر. وهو ما كشف عنه منزل "نانا"، إحدى قاطنات قصر "زناكة"، الذي تحول إلى مأوى لضيوف المدينة من قبل أبنائها،ة بينما قليل من دور القصور تضم طابقين أو ثلاثة.

 

ويعتبر قصر زناقة، أو زناكة، بالنطق المحلي، أكبر قصر في فكيك، وهو القصر الوحيد الموجود في السهل، في المنطقة المنخفضة، يفصله عن القصور الستة الأخرى هضبة عالية، وتحمل اسم قصر المعيز، وقصر آيت عدي، وقصر أولاد سليمان، وقصر الحمام الفوقاني، وقصر الحمام التحتاني، وقصر العبيدات. وتعتبر القصور السبعة لفكيك أول وأبرز المقومات الأثرية في المدينة، تُمكّن الزائر من النبش في التاريخ الطويل لهذه المدينة.

 

خارج أسوار القصور، تتطلع للناظر تجمعات سكنية جديدة، تتضمن منازل حديثة البناء، مبنية وفق نمط عصري، بمواد بناء حديثة من الآجور والإسمنت المسلح، منها ما هو عبارة عن فيلات، أو دور سكنية لا تتجاوز طابقين أو ثلاث طوابق، تتضمن فضاءات خضراء داخلية، تؤثثها الأشجار والنخيل.

 

والملفت للانتباه عند زيارة فكيك أن قصور المدينة مشيدة على مسار جريان الماء، فوق فرشة مائية عميقة، تجود بها العيون الجوفية، المتمركزة في المنطقة العليا، حيث توجد القصور الستة. وهو ما استدعى وضع شبكة خاصة لتوزيع المياه بين القصور السبعة، تتخذ شكلا هندسيا مميزا، يشبه الشكل الحلزوني، يسمح بإطلاق جريان الماء في مسار معين ووضع حد لتدفقه في نقطة أخرى عبر السواقي، وفق جدول زمني، متفق على مدته في 45 دقيقة، يسمى محليا بـ"الخروبة". أما الموعد الثاني المضروب للتزود بالماء، فقد يصل إلى نصف شهر، ويسمى "النوبة".

 

وسمحت تقنية توزيع الماء، المسماه بـ"الفكارة"، عبارة عن قناة تحمل الماء إلى مستويات معينة، حيث تفتح مسارات لضمان السقي، ضمانا للعدل بين المستفيدين، لتفادي نشوب النزاعات بين القصور، مثل ما ميز الأمر في فترة معينة من تاريخ مدينة فكيك حول توزيع الماء بين القصور، حسب ما تحدث إلينا بعض أبناء فكيك ممن التقت بهم "المغربية".

 

وتبعا إلى ذلك، عاينت "المغربية" كيف أن بعض السكان، يستعملون صهاريج أو أحواض مائية، أشبه بالمسابح، حيث يجمع صاحب "النوبة" الماء، لاستعماله في السقي وفق برنامجه الشخصي. في الفترة الحالية، بدأت واحات فكيك، تستفيد من مشاريع لتطوير أنظمة السقي بهدف تطوير الفلاحة، والرفع من المنتوج، منها مشاريع الاستفادة من نظام التنقيط، لمكافحة تفاقم ظاهرة ملوحة ونقص المياه الجوفية، بمساعدة من مشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو شراكات مع جمعيات أجنبية ووطنية، حسب ما تحدث إلينا مالكو بعض واحات النخيل في زناكة.

 

تاريخ في حاجة إلى صيانة :

 

رغم الجمالية والعمق التاريخي الذي يمنحه التراث المعماري لفكيك، إلا أن معاينته عن قرب يعري واقعا مهددا بالاندثار والزوال في حال ما إذا لم تطله أيادي الإصلاح والحفظ وإعادة الترميم. بدت أجزاء مهمة من هذا التراث مدمرة، بفعل عامل الزمن، ما يتطلب تدخل وزارة الثقافة لحفظ هذه العمارة الجميلة، لحفظ ذاكرة عيش السكان، ولإدخالها ضمن التراث العالمي، بعدما صنفت ضمن التراث الوطني الذي يحفظ ذكرى أزمان غابرة، وهو ما أكده مندوب وزارة الثقافة في فكيك خلال مداخلته، عند إعطاء الانطلاقة لمهرجان الواحات، الذي اختتمت فعالياته منذ أسبوعين.

 

في جولة بين البنايات الأثرية القديمة لفكيك، تظهر الآثار مبنية بالتراب والطوب المحلي، إذ لم تعد أبراج مراقبة القصور القديمة، إلا أنصاف أبراج، إذ بدت وكأنها في حالة مقاومة لعوامل الزمن والنسيان. تستمر في جمع قواها، تقاوم سقوطها النهائي، في انتظار لمسة ترميم أخيرة قبل أن تهوى وتتحول إلى أطلال وأنقاض.

 

وتكشف وضعية هذه المآثر عن حاجتها الملحة للحفظ، باعتباره إرثا تاريخيا، من شأنه أن يكون نقطة انطلاقة المدينة لتكون قبلة للسياحة الوطنية والأجنبية، التي قد تربط أواصرها وجسور تواصلها مع باقي جهات المغرب. وتتعدد أنواع المآثر التاريخية للمدينة، التي تحفظ ذكراها العديد من الكتيبات التعريفية بما تزخر به المدينة، منها الصومعة الحجرية، التي توجد في قصر لوداغير، أنشأت في القرن السادس الميلادي، ويبلغ علوها 19 مترا. لها قاعدة مربعة، لتتحول إلى ثمانية أضلع، ابتداء من ارتفاع حوالي 5 أمتار.

 

وهناك أبراج ساحة أجدير، ومقر الكنيسة، التي يعود بناؤها إلى 1917، وأضحت حاليا متحفا للمدينة، إلى جانب الفضاءات التي تسمح بالمناظر البانورامية للواحات، ومواقع أبراج المراقبة، والمساجد القديمة، ومواقع الأضرحة، والحمامات الأرضية، وموقع حجر البارود، الذي كان يزود به أهل فكيك الجزائريين بمادة "البارود" لمقاومة الاستعمار الفرنسي. وينضاف إلى ذلك موقع صومعة "زناكة" التي قصفها الفرنسيون، فحطموا نصفها خلال زمن الاستعمار.

 

كساد في الحدود :

 

يتعايش سكان فكيك مع طبيعتها الحدودية، التي تجعل من المدينة نقطة متاخمة للحدود مع الجارة الجزائر، خصوصا مدينة "بني ونيف"، التي تبعد بحوالي 8 كيلومترات عن فكيك. على الطريق المؤدية إلى "بني ونيف"، توضع لوحة تشوير كبيرة، تحمل اسم "بني ونيف"، حيث تظهر الآثار السلبية لإغلاق الحدود، المتمثلة في كساد التجارة لكثير من المحلات التجارية، وموت الحركة المرورية والاقتصادية. عندما بلغت "المغربية" هذه النقطة الحدودية، تبين أن نقط الجوار بين الجارتين متقاربة جدا، بل إن بعض أهالي المدينة لديهم معارف وأهالي في الضفة الأخرى، لا يخفون سعيهم ورغبتهم في إعادة فتح الحدود.

 

منظر طبيعي خلاب يطبع هذه الحدود الجغرافية، نخيل أشجار ونباتات وتكثلات صخرية. يعم المكان صمت رهيب. وأعين المراقبة من الضفتين أكثر تفتحا. يشعر الزائر أن شيئا ما يجب أن يكسر هذا الصمت الرهيب، إلا من صوت الطيور المغردة في المكان، التي تذكر بوجود الحياة، ولن يتأتى ذلك إلا بفتح الحدود، ورفع القيد ومنح الحرية للتنقل بين الجانبين. هي رغبة ملحة، من شأنها إعادة حرارة العلاقات الإنسانية وتنمية الحياة الاجتماعية والاقتصادية لدى سكان حدود الجارتين.

 

على جوانب فكيك الحدودية مع الجزائر، ألف الناس سماع صوت عبور قطار السكة الحديدية، وألفوا رؤية الأنوار التي تضيء على بعد كيلومترات قليلة داخل الجارة الجزائر. بعيدا عن "بني ونيف"، تظل فكيك مدينة محاطة بحدود جبلية تفصلها طبيعيا عن الجزائر، بل إن بعض أهالي فكيك، يؤكدون أن جزءا من واحاتهم ونخيلهم توجد فوق تراب الجزائر، التي كانت سببا وراء حرب الرمال سنة 1963، بين الجارين، إبان استقلال الجزائر، بسبب عدم موافقة هذه الأخيرة على إرجاع الأراضي المغربية على الشريط الحدودي، والتي أقحمها الفرنسيون ضمن التراب الجزائري في فترة الاستعمار. دارت الحرب خاصة في الواحات على مشارف الحدود، والتى شملت واحة فكيك، ما أفقد أهلها لمساحة كبيرة من الأراضي والنخيل.

 

الهجرة والعنوسة :

 

من أكثر المواضيع التي تؤرق بال المواطن الفكيكي، حسب شهادات لمواطنين التقت بهم "المغربية"، انتشار البطالة بين عدد كبير من أبناء الإقليم، الشيء الذي يدفع بالكثير منهم إلى الهجرة نحو الخارج، سيما إلى فرنسا وإيطاليا، في محاولة منهم لتجاوز غياب مجالات الاشتغال. وتبعا إلى ذلك، فإن العديد من شباب المنطقة لا يفوتون فرصة الهجرة من مدينة فكيك، سواء داخل أكبر الحواضر المغربية أو خارج الوطن، صوب جميع دول المعمور، علما أن 30 ألفا من المغاربة المقيمين في فرنسا، حاليا، هم من أبناء فكيك.

 

وكشفت الزيارة عن ضيق فرص الاشتغال في المدينة، لغياب مؤسسات صناعية أو تجارية، في مقابل وجود فرص الاشتغال في الواحات والمجال الفلاحي، الذي لم يعد يستهوي أبناء الجيل الحالي. علما أنه تتوفر على جهود لامتصاص بطالة شباب المدينة من خلال توفير فرص للتكوين في مجالات تستجيب لاحتياجات السوق. ومن هذه التكوينات، إحداث مركز جديد للتكوين المهني، يرمي إلى تكوين متخصصين وتقنيين في صناعة تحويل التمور.

 

في سنة 1900 كان عدد سكان مدينة فكيك، 6 آلاف نسمة، وحاليا، يتحدث بعض الفاعلين الجمعويين في فكيك عن وجود 12 ألفا من السكان، في حين يشير إحصاء السكنى لسنة 2004 عن وجود 127 ألف نسمة في فكيك، وأنها تمثل 0.4 في المائة من سكان المغرب.  ومن آثار هجرة أبناء المدينة، ارتفاع نسبة العنوسة بين شابات فكيك، حسب ما تحدثت عنه بعض نساء التعليم، من اللواتي التقتهن "المغربية" خلال زيارة إعدادية النهضة.

 

نساء الحرير :

 

ترتكز الصناعة التقليدية في فكيك على صناعة النسيج الصوفي، بشكل خاص في حين انقرضت الصناعات الأخرى مثل الفخار والصياغة، حسب تصريحات من أعضاء جمعية النهضة لـ"المغربية". وتتمثل صناعة النسيج الصوفي في إنتاج النساء للجلابيب و"السلاهم" والزرابي. وهي صناعة قديمة بواحة فكيك، حيث تبرع النساء في إنتاج الأقمشة الصوفية الرقيقة.

 

ومن أشهر المنتوجات الصوفية، الجلابيب والحياك والأفرشة والأغطية وبعض الأثواب النسيجية المخصصة للبدو الرحل. انتشرت هذه الصناعة بشكل مكثف داخل المدينة، وتمارس من قبل جل العائلات بحيث لا يخلو أي منزل فكيكي، مهما كان مستوى عيشه صاحبه، من أدوات النسيج الخاصة. وتعيش هذه الصناعة عدة صعوبات منها مشكلة التسويق واعتمادها على أساليب تقليدية.

 

والجديد في قطاع الصناعة التقليدية بفجيج، تأسيس جمعيات وتعاونيات تهتم بهذا المجال وتساعد النساء على تطوير المنتوج والبحث عن الأسواق، بالمشاركة في تنظيم معارض دائمة وحضورهم في معارض موسمية خلال التظاهرات التي تشهدها المدينة، مثل ماكان عليه الأمر في معرض الصناعة التقليدية الذي واكب أيام مهرجان الواحات الأخير. علما أن مجموعة مهمة من التعاونيات والجمعيات النسائية، استفادت من مشاريع دعم أنشطتها في إطار مشاريع مدرة للدخل، ومساعدة النساء على الرفع من إمكاناتهم المالية. علما أن انتظارات الأسر والنساء تتطلع إلى مزيد من فرص الدعم للرفع من مداخيل الأسر. 

 
مدينة آمنة وصديقة للبيئة :

 

بتأكيد من سكان فكيك، ممن التقتهم "المغربية"، يعيش سكان المدينة في أمن وسلام. لا يصبحون ولا يمسون على ارتكاب جرائم سرقة أو قتل. يلف أفئدتهم الاطمئنان على ممتلكاتهم الخاصة، لأنها مصانة من قبل العامة. على أرض الواقع، تابعت "المغربية" كيف أن الفيكيكيين يركنون دراجاتهم، النارية والهوائية، على جنبات الطرقات في انتظار عودتهم من قضاء مآربهم, لا يحرسها حارس، ولا تصونها أغلال ولا سلاسل. كل يأخذ ما يملكه دون الطمع في ما بين أيدي الآخر. وينطبق الأمر حتى على الساحات العمومية، وحتى المكتظة منها، كما كان الأمر في ساحة ركن الدراجات الخاصة بالوافدين على مهرجان الواحات.

 

من جهة أخرى، تعتبر فكيك أول مدينة صديقة للبيئة في المغرب بامتياز، باعتراف عدد من المهتمين بالمجال، سكانها يعتمدون في تنقلاتهم اليومية، سواء صوب العمل أو المدرسة، على الدراجات الهوائية، وقليل منهم من يفضل ركوب دراجة نارية، وكثير يفضل المشي. من بين مقومات الحياة في فكيك، توفر كل بيت على ما بين 3 إلى 4 دراجات هوائية، وهو ما يجعل فكيك تتمتع بهواء نقي، خال من الملوثات، ومن انبعاثات الغاز، وبالتالي تغيب عن سمائها سحابات التلوث.

 

هي مدينة لا تتوفر على وسيلة نقل عمومية. لا مكان فيها لسيارات الأجرة، سواء الكبيرة أو الصغيرة، ولا على حافلات عمومية. من ناحية أخرى، بدت مدينة فكيك تتمتع بنقاء ونظافة ملفتين للانتباه، سوى للقادمين من مدن كبيرة. سكانها يمتنعون عن رمي الأزبال في الشارع والأزقة، بحكم العرف والتربية الأسرية. يحرصون على نظافة حاويات الأزبال العمومية، ولا يفوتون فرصة نظافة جنبات بيوتهم، محافظة على العادات المتوارثة. 

 

مقولة ‘عايش فوق فكيك’ :

 

يحكى أن مغربيا قادما من مدينة فكيك صوب المدن الساحلية مرورا بالمدن الداخلية، فوجد الناس يشكون مجاعة غذائية، إبان الحرب العالمية الثانية، إذ كانت فرنسا تزود قواتها المقاتلة ضد الجيش الألماني، بالمنتوجات الفلاحية المغربية، ما أثر على التموين الغذائي الوطني، فجرى اللجوء إلى طريقة "البون".

 

حينها قال لبعض المتحدثين إليه "أنا كنت فوق فكيك، ما كاينش هاذ شي، الحياة زوينة أو خليت التمر و"الكليلة"(أي الحليب المجفف)". ومن ثمة أضحت مقولة "فوق فكيك" كناية على حسن الحال، حسب ما تحدث عنه بعض أبناء المدينة، استنادا إلى ما دلت عليه كتب التاريخ، التي أثبتت وجود الماء والنبات في فكيك، جعلت من المنطقة ليس معبرا فقط، بل مستقرا للإنسان في تلك الحقبة. 

 
400 طبيب مغربي من أصل فكيكي 

 
تعتبر مدرسة النهضة المحمدية أقدم بناية تعليمية في فكيك، بنيت في شهر غشت من سنة 1946، وهي حاليا مقر لجمعية النهضة. تم تشييد مدرسة النهضة في قصر زناكة، بأمر من الملك محمد الخامس، رحمه الله، بإشراف من المرحوم الحاج محمد فرج. ولعبت هذه المدرسة دورا كبيرا في تكوين الأطر الوطنية والمقاومة ضد المستعمر الفرنسي حينها. كما أنها عملت على تدشين تغيير جذري في حياة سكان فجيج، ووضع حد لحياة راكدة ومنعزلة، لبناء حياة أخرجت أهل المدينة من جمود الفكر وسذاجته وسطحيته، حسب ما هو وارد في كتاب حول الموضوع، من تأليف أحمد سعد الدين بوبكر لركو، عن منشورات جمعية النهضة بفكيك، تحت عنوان "الحاج محمد فرج، رائد الحركة الوطنية والنهضة التعليمية".

 

ويفيد الكتاب أن الحاج محمد فرج استطاع أن يحرك الناس ويعبئهم للمساهمة بطواعية وحماس في إنجاح هذه المدرسة. في سنة 1952، بلغ نسبة الذكور المتمدرسين في فكيك 100 في المائة، بينما كانت نسبة الإناث المتمدرسات 70 في المائة، وهو ما يفيد قطع أشواط كبيرة في تمدرس أبناء فكيك، الذين يمثلون المدينة في عدد من القطاعات، في التعليم والطب، إذ أن 400 طبيب مغربي هم من أصل فكيكي، ثم هناك أحد أبناء المدينة الذي يشرف المغرب في وكالة الفضااء الأمريكية "لانازا"، وهو كريم الودغيري، ناهيك عن انتماء الفيلسوف والمفكر المغربي محمد عابد الجابري إلى هذه المدينة، وبالضبط إلى قصر زناكة، إلى جانب آخرين في مجالات الفنون.

 

والمثير للانتباه أنه لدى زيارة "المغربية" لبعض المدارس في فكيك، بدت العديد من حجرات الدرس فارغة من التلاميذ، بيد أن أعدادها تفوق بكثير عدد التلاميذ المتمدرسين، ما يخلق حجرات شاغرة، وهو ما برره بعض أبناء المدينة بتراجع التزايد السكاني في الإقليم. ويحكي سكان المدينة أن مسألة التعليم تحظى باهتمام كبير لدى الفيكيكيين، إذ جرت العادة على اتخاذ جميع التدابير لإعمال تكافؤ الفرص بين الجميع في مجال التعلم، من خلال توفير الإمكانات لأبناء الفقراء، عبر إحداث الصندوق المدرسي، التي يضم الأموال المجمعة من زكاة الفطر، والتي توجه لدعم المتمدرسين، من ملابس وأدوات مدرسية.

 

وكشفت زيارة "المغربية" والتقائها مع بعض أناس المدينة، عن تمتع الإنسان البسيط، اقتصاديا واجتماعيا، في فكيك بوعي كبير، وبقدر كاف من التعلم. بل إن حتى الأميين منهم، يتمتعون بقدرة على التعبير السليم عن أفاكرهم وفق تسلسل منطقي، لا يجعل مجالا للضبابية في التعبير عن طموحاتهم.

 

وصادف وجود "المغربية" بإعدادية النهضة، زيارة وفد ألماني لأبناء الإعدادية، رفقة طبيب فكيكي مقيم في ألمانيا، جاؤوا لأداء مساهمة رمزية في غرس مجموعة من الأشجار والنباتات في ساحة المدرسة، في إطار شراكة توأمة بين أبناء المدينة وجمعيات طبية ألمانية. وفي استفسار لاحق حول هذا الحدث، تبين لـ"المغربية" أن أبناء وجمعيات فكيكية يبرمون العديد من الشراكات والتوائم مع جمعيات أجنبية، تسفر عن مد المدينة بمجموعة من الإمكانات والوسائل والمعدات، سواء منها في مجال الصحة أو تدبير النفايات أو إعمال أنظمة السقي بالتقطير. 

 
التضامن..يغيب التسول في فكيك :

من أكثر ما يثير الانتباه حول الحياة الاجتماعية لأبناء فجيج داخل القصور، أنهم يعيشون في محيط مفتوح، يركزون فيه على التضامن مع الشخص المعسر ماديا، وهو ما جعل المدينة خالية من المتسولين على غرار ما هو عليه الأمر في الحواضر الكبرى. يتآزر سكان القصور في ما بينهم، إذ تعمد الجماعة على إخبار أعضائها بحاجة أحد أبناء القصر إلى مساعدة مادية أو معنوية. كما هو الأمر عند الرغبة في إجراء عملية جراحية أو تطبيب من مرض مكلف. بل إن التضامن يطال حتى الأفراح، إذ كل فرد من الجماعة يساعد بما تيسر لديه. 
 

المصدر : المغربية

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled