اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

حكاية صورة …! بقلم د.عبدالرحيم ريحان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المسلة السياحية 

 

 

بقلم  د. عبد الرحيم ريحان

 

الصورة مع الأستاذ عبد الحفيظ دياب المؤسس الحقيقى والجندى المجهول لآثار سيناء الإسلامية والمسيحية ، لم نشعر فى أى يوم من الأيام أنه رئيس لنا بل زميل فاضل وكان يعرّفنا أمام أى شخص بالزميل ، ولأنه قضى وقتًا طويلًا بالجيش أثناء حرب الاستنزاف فكان يعتبرنا جميعًا فى خندق واحد ويطلق علينا العساكر ، وحقًا كانت حياتنا معه أشبه بالجندية وكان هو خير قائد لكتيبتنا .

 

 

عشنا فى ظروف صعبة فى طابا كانت مواسير المياه قبل تغييرها تمتلأ بالصدأ لأن المياه تأتى لساعتين فقط ، فكنا نضع المياه فى أكواب ألومنيوم حتى لا نشاهد منظر الصدأ ، ولم يكن فى مقدورنا المادى شرب مياه أفضل من ذلك.

لم تكن هناك وسائل اتصال بأهلنا غير وسائل الاتصالات الخاصة بالأجهزة الأمنية لدرجة أن أول مرة اتصل بزميل لى وهو الأستاذ خالد عبد الفتاح إترعب من التيلفون إللى جاى من جهاز أمنى ، وكنا نعيش مع الأصدقاء الأعزاء من رجال الأمن فى ود ومحبة وتعاون ،ولن ننسى مساعدتهم لنا فى أشياء كثيرة، حيث كان مبنى الآثار فى طابا الذى يطلق عليه “البيت الأزرق” هو ملتقى كل أهل طابا فكان عبارة عن عشر حجرات من الخشب أقامها المرحوم الدكتور أحمد قدرى..

 

وكان يحتل موقعًا متميزًا فى الجانب الآخر من جزيرة فرعون، وكانت الإضاءة عن طريق مولد يعمل حتى الثانية عشر منتصف الليل ثم نعيش فى ظلام دامس حيث ننتقل جميعًا بالكراسى إلى شاطئ البحر .. وكانت كل الأجهزة الأمنية والمدنية تأتى إلى تفتيش الآثار لمشاهدة برامج التليفزيون، وكأنه النادى الاجتماعي لطابا مما وطد العلاقة بين الجميع .

 

كان تحركنا للمسح الأثرى للمواقع الأثرية عن طريق سيارة المنطقة الربع نقل ،وكنا نركب بالطبع فى جرار السيارة لأننا شباب ونستحمل وكانت رمال الصحراء تداعب أعيننا ، وتطلب منا أن نتحمل من أجل إعادة تأريخ سيناء وتأكيد هويتها المصرية ، وكانت ثعابين وعقارب الصحراء تداعبنا بين وقت لآخر حين يشتد الحر عليها فلم تجد ملاذًا أمنًا إلا الحجرات الخشبية التى نعيش بها ونتعاون جميعًا فى قتلها بعد اكتشافها …

 

لدرجة مرة أتذكر أننا كنا نجلس مع الزملاء على أرضية المبنى وعندما غادرت لأحضر شئ من المطبخ وجدت زملائى قد قتلوا عقربًا شرسًا فهالنى المنظر وسألتهم العقرب ده لسة خارج من المخزن؟ قالوا لى لا بل أنا الذى كنت أجلس على هذا العقرب وأكتم أنفاسه وحين قمت حاول الفرار فتلوه فحمدت الله رب العالمين ،وقلت أن هذا من بركة هذه الأرض الطاهرة “اللهم أحفظنا من كل سوء” .

 

أعطانا الأستاذ عبد الحفيظ حرية كاملة فى اتخاذ القرار فنحن فى المنطقة أدرى بشعابها فتعلمنا منه الجرأة فى اتخاذ القرار وتحمل تبعاته ،وكان هو أجرأ شخصية فى هيئة الآثار فى ذلك الوقت ،فحين حدث الاعتداء الأميركى على العراق أغلقت قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون عن الزيارة ،وبعد انتهاء الحرب طالبنا بفتحها للزيارة ولم يجرؤ أحد على اتخاذ هذا القرار من القيادات العليا ،وعندما شاهد الأستاذ عبد الحفيظ أن الزيارات تأتى إلى المنطقة وتعود مما يؤدى لخسارة مادية أصدر قرار بنفسه بفتح الزيارة ،وإذ لم يتخذ هذا القرار لظلت القلعة مغلقة حتى الآن .

 

الأستاذ عبد الحفيظ هو الذى تحرك فى كل ربوع سيناء ليبحث لنا عن مقرات أخرى غير طابا، وكنا نعيش جميعًا فى منطقة واحدة حتى أصبح لمنطقة جنوب سيناء مقرات فى نويبع وطور سيناء ورأس سدر، وحرص على تأثيث هذه المقرات بنشاطه الغير عادى.

 

كان يبحث لنا دائما عن أى زيادة فى الأجر فقد قبلنا أنا وزملائى المتعاقدين العمل فى سيناء بأجر 60 جنيه فى الشهر عام 1986، وإذا فكر أحد فى زيارة أهله فتذكرة الأتوبيس 40 جنيه ذهاب وإياب ،وعندما شاهد مدى صبرنا وتحملنا لعشقنا لرمال هذه الأرض المقدسة التى تختلط رمالها بدماء الشهداء حرص على زيادة العقد من 60 جنيه إلى 90 جنيه فى وقت كان أجر العامل الفنى معنا 15 جنيه..!

 

كان يعيش معنا فى خيم أو حجرة لأحد البدو وأماكن غير صحية أثناء أعمال الحفائر خالية من أى دورات للمياه، وكنا دائما قريبين من أى جامع لحسن حظنا لدرجة أن بعض هذه الحجرات كانت عيادة ،وكنا نعيش فيها كما هى مع بعض البطاطين السوداء القديمة ،وتحيط بنا أدوات الحفائر من كل جهة ،وكان يأتى إلينا الأستاذ عبد الحفيظ دياب ويبيت فى نفس الخيمة ،ويأكل مما نأكل ويدفع قيمة ما يأكل منه كما ندفع سويًا.

 

لو قلت أن هذا الرجل بمائة رجل أكون قد ظلمته بل بملايين الرجال المحترمين الذى علمنا الحب والإخلاص والتفانى فى العمل والجرأة فى اتخاذ القرار ،وهو رجل جيش عاش أيام الاستنزاف وتعلم الوطنية وتعلمناها على يديه، وكنا نشرف حين ينادينا الجندى المجند فلان ..

 

تعظيم سلام وتحية احترام وتقدير وإعزاز لهذا الوطنى الذى أعطى ولم يأخذ شئ ،ولم يحظى بأى تكريم حتى الآن من وزارة الآثار فى كل أعياد الآثاريين السابقة ،وأن تكريم وزارة الآثار للأستاذ عبد الحفيظ دياب هو تكريم للوزارة نفسها ووسام على صدرها .

 

كما يظهر فى الصورة الجندى المجند أشرف محمود والجندى المجند محمد حمادة والجندى المجند عبد الرحيم ريحان

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled