اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

اللبان الشحري ..الذهب المنسي وعمود الحضارة اليمنية

بنيت به حضارات وقامت من أجله الحروب


اللبان الشحري ..الذهب المنسي وعمود الحضارة اليمنية

صنعاء " المسلة " … لكل زمان ضرورياته ومقتنياته وسلعه التجارية..تمر من جواره فلا تأبه له، ويمر آخر ويعرض عنه، بينما قامت على هذا المنتج حروب طويلة ومحاولة استعمار دول وحضارات بلاد منتجه الأول، وله شقت قنوات وبحار بين دول من أجل إحضاره والاتجار به، وشق طريق البر وسط الصحراء، ومن أجله تعلم الإنسان اليمني الأول شق طريق البحر واخترع السفن وركبها وشق عباب البحر وعرف طريقه كأول إنسان يركب البحر..كان هذا المنتج السلعة الأولى في العالم كما هو حال النفط اليوم..فما هو هذا المنتج؟!

إنه "اللبان الشحري" ذلك الذي لا تكاد سوق يمنية تخلو منه ويفترش به بائعوه أرصفة الأسواق في كل الأسواق في المدن اليمنية. فما هو هذا اللبان؟!  هو ذلك السائل الذي يخرج من شجرة باتت تعرف بشجرة اللبان في بلاد الشحر وحضرموت اليمنية، ثم يترك أياماً فوق الشجر ليجف ويتصلب ثم يتم جنيه كمادة طبيعية علاجية وبخور ويستخدم في أغراض متعددة في التطبيب والتحنيط والتبخير وغيرها.

عرفت اليمن قديماً بهذه السلعة العالمية وعرف اليمنيون بالاتجار بها منذ ما يقارب خمسة آلاف سنة، وجاب العالم للاتجار بها وبنى حضاراته المختلفة من هذه السلعة كونها كانت تدر على اليمن الأموال الطائلة التي مكنتها من بناء حضارات متعددة وباتت الدولة العالمية الأولى.

 كما أن تجارة البخور واللبان التي عرفها اليمنيون قبل الأمم، جعلت منه السلعة الأولى عالمياً، حتى ليسمى بالذهب الأسود، وهو يقارن بالتجارة النفطية اليوم. مما حدا ببعض الكتابات الإغريقية واليونانية أن تصف حياة الترف والرخاء والبذخ التي يعيشها اليمنيون، حيث قالوا إن اليمنيين يسقفون بيوتهم بأعمدة من ذهب وفضة، وكذلك شبابيكهم وأسرّتهم. كتب عنها المؤرخون اليونانيون الكتب المختلفة، من ذلك مثلاً ما كتبه المؤرخ هرودوت الذي يلقب بشيخ المؤرخين وعاش فيما بين 490-424 ق.م، ويقول: "وبلاد العرب في نهاية المعمورة الجنوبية، وفيها وحدها يوجد اللبان والمر والدارصيني واللاذن، ويكابد العرب الشدائد في جني هذه النباتات ما عدا المر. فهم لأجل جني النبات يحرقون تحت أشجاره نوعاً من الصمغ يسمى ((Styrax "ميعة" – وهو الصمغ الذي يأتي به الفينيقيون إلى بلاد الإغريق – ليشردوا أسراباً كثيرة من الحيات الطائرة المختلفة التي تحرس الأشجار وتتجه تلك الحيات بجموعها شطر مصر ولا تبرح مكانها إلا بواسطة دخان الميعة"..

ويقول مؤرخ آخر واسمه (Theophrastas) "ثيوبراستاس": "تنبت أشجار اللبان والمر والدارصيني في بلاد سبأ وحضرموت وقتبان ومالي (أقطار في جنوب بلاد العرب)، ويقال إن الجبال هناك مرتفعة ومغطاة بالنباتات والثلوج وتنفجر منها أنهار تجري إلى الأودية والسهول..ويقص الذين جابوا البحر أنهم بعد أن أقلعوا من خليج هرون قذف بهم البحر بمراكبهم إلى ناحية الجبال فنزلوا إلى الشواطئ يبحثون عن الماء فعثروا على أشجار اللبان والمر فجنوا منها مقادير عظيمة ونقلوها إلى سفنهم وأقلعوا إلى بلادهم دون أن يشعر بهم الحراس من أهل سبأ لأنهم أصحاب هذه الجبال يقسمون مناطقها بين أفرادهم وهم رجال صدق أشداء لا يثبت فيهم الجور ولا ينامون على ضيم ولا يعتدي منهم أحد على غيره".

وانبثق عن تلك السلعة أن أقام اليمنيون طريقاً تجارية تسمى بطريق القوافل القديمة (طريق اللبان) تبدأ من ميناء قنا في شبوة وتمر وسط بلاد سبأ ووسط الجزيرة العربية وحتى غزة وآسيا الوسطى مروراً بالعراق بابل وبين الدول والحضارات القديمة (الفينيقية الإغريقية، والبابلية والأشورية والأكادية والنبطية والفارسية والرومانية)، ومن غزة إلى مصر وشمال أفريقيا وبلاد اليونان، جعلت اليمن أغنى بلاد العالم القديم. وقد دون القرآن الكريم هذه المحطات والطرق في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ}سبأ18.

وكان من آثار هذه التجارة أن دون التجار اليمنيون النقوش المسندية في كل البلاد التي يصلونها، ومن ذلك مثلاً: النقوش المكتشفة باللغة اليمنية وخاصة المعينية والسبئية في "دادان" العلا، وسيناء المصرية وتل العمارنة، وفي جزيرة ديلوس اليونانية، وكذلك إلى أقصى المغرب ومضيق جبل طارق فيما عرف فيما بعد باللغة والخط الأمازيغيين. 

 حروب واستعمار بسبب تجارة اللبان:

أراد اليونانيون التوسع والسيطرة على بلاد اللبان اليمن وطريق البخور فجرد الإسكندر المقدوني حملة عسكرية في عام 225 قبل الميلاد للاستيلاء على اليمن لكنه لم يفلح، فعمل على قصقصة المحطات التجارية اليمنية باستيلائه على معان الأردن وبصرى والشام ومنها مدينة القدس خصوصاً وفلسطين عموماً.

ورث الرومان اليونانيين في الإمبراطورية وركزوا على الاستيلاء على تجارة اللبان وتجريد اليمنيين من امتياز تلك التجارة. وبعد استيلاء الرومان البطالمة على دولة الأنباط ومركز البتراء التجاري في القرن الأول قبل الميلاد حوصرت التجارة اليمنية وأدى إلى بلوغ التجارة المصرية الرومانية ذروتها وصولاً إلى سيطرة على جانبي باب المندب عن طريق حليفهم الحبشة 281م.

ففي العام 25 قبل الميلاد أوعز إمبراطور الرومان أغسطس إلى واليه على مصر إيليوس جاليوس بتجريد حملة عسكرية قوامها عشرة آلاف جندي وألف وخمسمائة نبطي بينهم وزير الدولة النبطية صالح الذي كان دليل الحملة إلى بلاد سبأ وخمسمائة يهودي لضم اليمن إلى الإمبراطورية الرومانية وشل التجارة اليمنية والهيمنة على ملاحة البحر الأحمر، واستغرقت الحملة في طريقها أكثر من ستة أشهر أبحرت من الميناء النبطي "نيجرا" على البحر الأحمر.

وعمل الوزير الدليل على تتويه الحملة لأصالته اليمنية حتى قضت الحملة وتشتت في الطرق الوعرة والصحارى القفار وزادت الأوبئة والهجمات العربية المباغتة على كسر الحملة وعدم تحقيق أهدافها. ورافق هذه الحملة المؤرخ والرحالة اليوناني سترابون، وكان من بعض ما كتبه عن هذه الحملة ووصف مارب عاصمة سبأ: "هذه المدينة كانت عجيبة مذهلة، سقوف أبنيتها مكسوة بالذهب ومزينة بالعاج والحجارة الكريمة، كما تحوي على القصور المزخرفة بالأحجار الثمينة".

وكتب كاتب آخر واسمه بلينوس نقلاً عن قائد الحملة الفاشلة (جاليوس): "فاقت السبأي الجميع ثروة بما كان يتوافر في أرضها من أدغال ذات عطور ومناجم ذهب ومياه للري وهي تنتج العسل والشمع بكثرة..فلو تحريت هذه الأقطار تماماً لعلمت بأنها أغنى بلاد الأرض قاطبة بما يتوارد إليها من كنوز دولة الرومان ودولة الفرس".

وبعد فشل الحملة الرومانية أدركت روما استحالة إخضاع بلاد اليمن بالقوة فعملت على إيعاز الاستيلاء لحليفتها الحبشة التي لاقت هوى في نفسها.  حيث كانت عيون الحبشة على الطرق التجارية الدولية القديمة (طريق اللبان البري، والطريق الساحلي، والطريق البحري) وبسط نفوذها في السيطرة على طريق القوافل الساحلي الذي يمتد من مينائي موزع والمخا وحتى بصرى الشام لتوسيع ثروتهم وبسط سلطانهم وتأمين الشواطئ الحبشية من ناحية اليمن وإدخالها في نطاق دولة أكسوم الحبشية بمساعدة بيزنطية أيضاً لقطع الطريق على الفرس حتى لا يمتدوا إلى اليمن.

ومن جراء الفتن الداخلية التي كانت في اليمن ضعفت الدولة الحميرية "تغلب الأحباش على تلك الديار سنة 375 بعد الميلاد، وعرف ملوكهم باسم ملوك أكسوم وحمير وريدان والحبشة وسبأ وسلح وتهامة. لكن سبأ (حمير) اتحدت مع جميع العناصر القومية في اليمن وطردت الأحباش من ديارها تحت قيادة الملك كرب، وكان قد تهودت ذريته حوالي 400 بعد الميلاد، واستمر حكم هذه الأسرة الحميرية المتهودة إلى عهد ذي نواس الذي انهزم أمام الحبشة سنة 525 بعد الميلاد.

قنوات اتصال بحري وطرق برية:

أدركت الحضارة الفرعونية أهمية هذه السلعة من حوالي 5000 عام قبل الميلاد حينما استخدمتها في البخور والتحنيط والتطبيب، ولغلاء ثمنها، فأرادت أن تقوم بجلب هذه السلعة والمتاجرة بها بنفسها بعيداً عن احتكار التجار اليمنيين لها. حيث قام الملك الفرعوني ساحوراع حوالي 2550 قبل الميلاد بشق قناة مائية تربط النيل بالبحر الأحمر لتمر السفن عليها إلى بلاد اليمن لجلب تلك السلعة. إلا أن عدم خبرتهم في الملاحة وحركة الرياح أفشلت المشروع مما أدى إلى ردم القناة.

وبعد ألف عام من تلك المحاولة قامت الملكة الفرعونية حتشبسوت في 1490 قبل الميلاد بشق القناة مجدداً وأرسلت عدداً من سفنها أخذت طريقها إلى بلاد البونت (هكذا كانت تسمى اليمن الساحلية الشرقية)، بحسب نقش مسندي وجد في معبد مصر. ويفيد النقش أن تلك الرحلة عادت موفقة ومحملة بخيرات تلك البلاد كالبخور والعطور والأخشاب الثمينة، وبعض أنواع الأشجار التي زرعت في حديقة المعبد.

على الجانب البري فإن الخط التجاري الرئيسي العالمي في تلك الحقب الزمنية الغابرة؛ وهو طريق اللبان أو طريق البخور كما عرف عنه، كان يتجه من الجنوب إلى الشمال وليس العكس، وانبثق عن تلك الصفة أن قامت طريق تجارية تسمى بطريق القوافل القديمة (طريق اللبان) بين الدول والحضارات القديمة (الفينيقية الإغريقية، والبابلية والأشورية والأكادية والنبطية والفارسية والرومانية)، يبدأ من ميناء قنا في شبوة على البحر العربي مروراً بمارب والجوف ومكة والعلا وصولاً إلى البتراء وغزة والقدس والشام وبُصرى ثم العراق وحتى وسط آسيا الوسطى.  وداخلياً كانت هناك طرق شريانية فرعية تربط الطرق الداخلية بطريق البخور وسط اليمن في مدينة مارب عاصمة سبأ.

حيث كانت هناك الطرق الغربية التي تمر من مينائي المخا وذو باب يمر من المعافر ومدينة الجوءة وصولاً إلى الجند الذي كان ملتقى القوافل من الغرب والجنوب من ميناء عدن، ثم إلى ظفار حمير ومن ظفار إلى مارب. وكانت الجند من أهم أسواق العرب قديماً وتشابه مع سوق عكاظ بالنشاط الثقافي والتجاري.

استخدامات تلك السلعة في الممالك القديمة ومقدار النفقة:

بحسب التسجيلات التاريخية للمؤرخين فإن سلعة اللبان تدخل في استعمالات متعددة وخاصة للطبقات الراقية كطبقة الملوك والكهان والوزراء وغيرهم؛ في البخور والتطييب، وفي التحنيط، والصمغ والتطبيب؛ إذ تستخدم كعلاجات متعددة الأغراض، ومنها ما كان يعتقد قديماً في طرد الشرور والأشباح وغيرها.

وقد كتب المؤرخ اليوناني بلينيوس عن مقدار الأموال التي كانت تذهب من القصور اليونانية للنفقة على هذه السلعة وتصب في صالح خزانة الدولة اليمنية بالقول: "كسبت بلاد العرب نعت سعيدة لأنها فياضة بحاصلات يستعذبها أهل الترف ويباهون في اقتنائها جهازاً لموتاهم. هكذا انصرف المترفون إلى حرق هذه الحاصلات أمام أجساد أعزائهم الراحلين إلى دار الفناء بعد أن كان استعمالها قبلاً ينحصر في مراسم العبادة لآلهتهم…ولكن بحر العرب أحرى بكنية السعادة فهو مصدر اللؤلؤ، وتبتز الهند وقبائل سارا وعرب الجزيرة من أموال إمبراطوريتنا مبلغ مائة مليون (سترسه – النقد الفضي أو البرونزي الروماني) كل حول (كل عام) وهذا على أقل حساب، وتلك ثروة طائلة نبذرها على أهواء مترفينا ونسائنا".

 وسجل القرآن الكريم جانباً من وصف تلك الحياة من الرخاء والأمن في القرآن الكريم أعظم مصادر الدنيا تدويناً وصدقاً وشهادة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}(سبأ: 15).

أين أهمية تلك السلعة اليوم:

على الرغم من وفرة هذه المادة في الأسواق اليوم إلا أنه لا يؤبه لها كثيراً؛ لأن اليمنيين اليوم ربما نسوا أو جهلوا ما كانت تمثله هذه السلعة قديماً. حاولنا استكشاف كنه هذه المادة اليوم من البائعين ومدى معرفتهم بتاريخيتها وأهميتها واستعمالاتها، وكمية البيع التي يتم تصريفها.في باب اليمن تجد باعة مفترشين الأرض لبيع هذه المادة في أكياس بلاستيكية مكومة أمامهم. يفيد البائع عوض الوصابي عن أن مادة اللبان يتم استيرادها من الشحر عمان التي لا تزال تنتج هذه المادة وتصدرها إلى الدول المجاورة.

ويوجد من هذه المادة أنواع متعددة، فبحسب عوض الوصابي أنه يوجد ثلاثة أنواع من اللبان بدرجات متفاوتة الجودة. وهي: لبان "أمشاط" وهو أجود أنواع اللبان، وهو ذو الكتلة الكبيرة المتصلبة والنقية من الشوائب. والنوع الثاني هو "المجرول"، وهو حبيبات صغيرة وتتفاوت أسعاره. والنوع الثالث هو "الأصغر" وهو أصغر الفصوص وأرخص أنواع اللبان. كما يوجد الأجود بينها وهو الذي يسمى "لبان ذكر". وأردأ أنواع اللبان هو اللبان الصناعي الذي يجمد في أكياس بلاستيكية حرارية تؤدي إلى تمدده وذوبانه ويعمل منه كتلة واحدة تكون رديئة الجودة وأقل سعراً.

وبحسب العم عوض فإنه يبيع الأوقية بأربعمائة ريال والكيلو يصل سعره إلى 12 ألف ريال، ويصرف في الشهر حوالي ثلاثين كيلو بمعدل كيلو واحد في اليوم. أما البائع الآخر سعد داوود الوصابي فيقول: "يستعمل اللبان اليوم كبخور وصمغ ولحام للمدايع (النارجيلة) والجنابي من أردأ الأنواع، كما يستخدم في المضغ كعلك لأنه يحافظ على اللثة وتقوية الأسنان".

بينما يفيد البائع حسن محمد الوصابي أن أجود أنواع اللبان هو اللبان الذكري، ويستخدم اليوم كعلاج للأملاح والحموضة والسعلة الشديدة بحسب طالبيه من الطب الشعبي والطب البديل. ويقول حسن الوصابي أنه يتم تصريف منه شهرياً ما بين 15 و20 كيلو جراما شهرياً. لم تتنبه المراكز البحثية والمختبرية لهذه المادة والتي ربما تفيد في جانب استخلاص العلاجات المختلفة لأمراض مختلفة.
 

الصحوة نت

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled